![]() |
الفنان المبدع الساطور:
|
كلنا يعرف الفنان المبدع والمناضل الوطني المجتهد: الساطور، وكلنا يضع له صورة ما في خياله، يعتقد بأنها لابد وأن تكون قريبة لحقيقة شخصية الساطور، أو لنقل لصاحب شخصية الساطور، وكما جرت العادة في الكثير من مدارس الفن الساخر، أن تشتهر الشخصية الرمزية أكثر من صاحبها في الواقع، أي نعم نحن لا يهمنا من يقف وراء شخصية الساطور، مادام يعبر عنا وعن قضايانا، بصدق وشجاعة، ولن تشوش علي صوره الصارخة الفاضحة لمأسينا ونكبة وطننا تلك الكتابات الكيدية المجهولة الأصل والمفصل، مادامت الألوان في تناسل وإبداع وبوح.. لكن ماذا لو علمتم وعلم خصومه وخصوم وطنه وشعبه بأن من يقف وراء الساطور فنان متعلم متنور حساس ووطني عنيد وليبي صميم؟
إليكم هذه المساحة الشاسعة من الفن ألوان وألحان.. والثقافة علم وتحصيل.. وتجربة حياة عصامية زاخرة.. ووطنية صادقة بإخلاص.. إليكم هذا الفضاء مع المبدع الساطور: وهو الذي سيكون اليوم "عل القرمه".
مرحباً صديقنا الفنان، وشكراً علي تلبيتك الدعوة والألتزام الدقيق بالمواعيد.. الفنون بالأساس مواهب قد تتحول إلي هوايات وقد تتطور بالعلم والممارسة إلي إبداع ورسالة وواجب، فماذا عن الساطور وفنونه (خصوصاً وإننا نعلم ولعك بالموسيقي إلي جانب الألوان)؟ ما العلاقة أهي موهبة فقط أم تحصيل وصقل أكاديمي؟
استاذي الكريم شكرا مرة اخري علي اتاحتي الفرصة، وسأحاول بإخلاص الإجابة عن كل تسؤلاتكم بكل صدق وموضوعيه... منذ صغري وانا احب الرسم والموسيقي ، كنت دائما استمع ال الراديو و برنامج مايطلبه المستمعون الشيق بالذات ، كان بالنسبة لي اروع برنامج في الراديو وكنت اعيش لحظات البرنامج من اوله الي اخره طرباً ومرحا، فأحببت اغاني سلام قدري، محمد صدقي والسيد بومدين كانو فعلا مطربين من الطراز الاول، مطربين لا مغنيين، اما فنيا من ناحية الرسم، فقد تعلمته علي ارضية المنزل ‘الزليز’، فقد كان والدي يجيد رسم طائر الحمام وبدقة، كان يرسم بالطباشير حمامة علي كل زليزة في فناء المنزل، فيخلق مشهدأ رائعاً وغاية في الإبداع بالنسبة لي، ولازلت اتذكر وبوضوح ارضية البيت المليئة برسوم الحمام، فمنها بدأت "انخربش" بالطباشير، وكنت ارسم علي ابواب البيت اذا أغضبني احد من اخوتي او اخواتي، ارسمه او ارسمها وبشكل لا يخلوا من السخرية والبشاعة للتعبير عن غضبي، كذلك كنت اذهب الي مكتبة حي البركة بنغازي لوحدي واتفصح المجلدات التي تحتوي علي مجلات اطفال مصرية، وكنت شغوف جداً بمطالعتها بهدؤ وتأمل، الي ان تعرفت علي شخصية كرتونيه اسمها: "زوزو"، كان اصلع ذو شعرة واحدة، وكنت اضحك من تعابير وجهه واتذكر حيينها بأنني حاولت أن لا اضحك بصوت عال كنت انظر حولي خوفا ان يسمعني او يراني احد، وكانت هذه اول شخصية احببتها لآنها شقية وربما كان له تأثير كبير علي اتجهاتي وميولي الفنية فيما بعد. ومن حسن حظي كذلك أن تحصلت علي عمل في مكتبة الاندلس في حي البركة وكان عمري حينئذ حوالي العاشرة وكنت اعمل بدون مقابل ولكن من خلال عملي في المكتبة إطلعت علي الكثير من خلال المطالعة، وتصفح المجلات والجرائد: مجلة المصور واخر ساعة الي سمير وسوبرمان، وكذلك تعرفت علي بعض الشعراء والكتاب اللذين كانت المكتبة تطبع لهم كتبا، فكل هذا ساعدني وكون شخصيتي بشكل عام وتوجيه موهبتي وميولي الفني بشكل خاص.
شد انتباهي الفنان القدير: محمد الزواوي، قبل الانقلاب فكنت اتابع رسومه واحببت البعض منها، ولكن توقفت بعد الانقلاب بفترة، لان رسوماته اصبحت شبه دعائية وموجهة وغير مضحكة. فالفنان الحقيقي او الكاتب لابد ان يعبر عن مشاعر انسان الشارع العادي وهمومه، ويكون متحرراً من نطاق الحاكم وسلطاته، هذا اذا اراد النجاح واحترام المجتمع له وإستمرار رسالته النبيلة، ولهذا مثلاً انا كنت معجب بكتابات الصادق النيهوم لأنه كان خارج النطاق المعتاد، في مرحلة المدرسة كنت دائما ارسم في كتبي الخاصة وفي مختلف الحصص بما فيها حصة الرياضيات والتي كانت تحتاج إلي تركيز وإنتباه شديد، وأتذكر أنه كان هناك مدرس اعجبتني شخصيته فكنت ارسمه علي السبورة قبل حضوره، فكان كلما دخل الفصل يمسح كل شئ من علي السبورة، ماعدا رسمتي له فكان يتركها طوال الحصة؟؟ لأعرف ان كان تشجيعا لي أم إعجاباً بنفسه ؟ ولكن احترمي له كان قد زاد اكثر لأنه لم يمانع في نشر هوايتي.
خلال دراستي لم اكن من الطلبة البارزين في الرسم بل من المتفوقين رياضيا فكانت كرة القدم، ثم السلة ومن خلال كرة السلة، والتي عرفتني علي اللاعبين السود في امريكا من خلال متابعتي لمبارياتهم فأعجبت بكفأتهم ومقدرتهم الرياضية العالية والاهم اناقتهم الشخصية والفنية من خلال موسيقاهم: الافرو امريكان، فتعرفت في ذلك الوقت علي الموسيقيين العظام مثل جيمس براون، مارڤين جاي ،ستيڤي وندار ونجوم التاملا موتاون، فشدني ذلك اللون الموسيقي الأسود، فأصبحت لا أستمع إلا لموسيقي السود في الغرب، وأتذكر أن هذا الأمر خلق لي عدة خلافات ومشاكل مع الاصدقاء وزملاء الدراسة، حيث أن أغلبيتهم كانوا يعشقون المرسكاوي مثلاً، في الوقت الذي لم أكن أستسيغها لشعوري بأنها موسيقي محدودة جدا، خلاف لطرب سلام قدري، والذي كنت ولا أزال من المعجبين به جدا واتمني ان أتشرف بلقائه يوما ما، وأيضاً أحب الفنان: بومدين، وعبدالحليم حافظ الذي كان له تأثيره الكبير علي أذني الموسيقية.
في بداية عمري كنت اسافر الي طبرق وهناك تعرفت علي صاحب دكان ‘جبالي’ كان يبيع كل شئ منها اسطوانات لموسيقي عربية وكنت امكث لساعات في متجره استمع للموسيقي ولازلت اتذكره الي الان، و ارجو ان يأتي يوم ومناسبة لتجمعنا، لأنه علمني حب الموسيقي وكذلك بعض الكلمات الامازيغية لا يسع المقام هنا لترديدها (يضيف مبتسماً) !!!.
بعد الانقلاب بدأت توجهاتي السياسية تتغير بحكم التداعيات السياسية السلبية التي بدأت تطفو علي السطح، فرفضت في داخل نفسي الحكم العسكري منذ اول ايامه، لأني لم أستشعر ضرورة الإنقلاب العسكري لتغير نظام حكم شرعي ومستقر وفي طريقه للرقي بالحياة العامة للمواطنين خطوة بخطوة، وبشكل واعد، وبصراحة شديدة كنت شخصياً من محبي: سيدي ادريس، وبالرغم من صغر سني في ذلك الوقت الا اني لم أكن أطيق: القذافي، ومجموعته العسكرية، ولا اسمائهم المجهولة لكل الليبيين ؟ فمن سمع بهم، من يعرف ماضيهم؟ كل ذلك كان مثار شكوك، وخصوصاً عندما بدئنا نراهم، ونتعرف علي ملامحهم العسكرية الجافة، وكلامهم الأمي وتصرفاتهم العنجهية، فلم يسجل علي يوماً أن شاركت في المظاهرات والمسيرات الفوضوية التي كانت تقام عشوائيا في المدارس، وتعطلنا عن التحصيل والعلم، فكنت عوض ذلك (الدش)، أجدها فرصة للمرواحه للحوش ولعب الكرة مع أقراني. وفي مناسبات لاحقة قمت بمشاركات متواضعة في مظاهرات معادية للنظام، ثم في سنة 1975 قررت السفر للخارج بعد ان ضاقت الحياة بنا كشباب ليبي طموح ومقبل علي الحياة، واتجهت الي بريطانيا ولم يكن يخطر ببالي قط ان المدة ستطول وأن المقام سيمتد ويتمدد الي هذه الدرجة، فبعد السنوات الاولي من الاقامة في بريطانيا وكنت اسميها سنوات الضياع (مبتسماً)، تعرفت علي المعارضة الليبية المنظمة، والمتمثلة في البداية في: التجمع الليبي، وبدأت معهم ارسم في مجلة الجهاد، ثم صوت ليبيا وكانت تلك من أروع الفرص، لأنها أتاحت لي مجال التعرف وعن قرب علي استاذي الكريم المناضل: فاضل المسعودي، فعاشرته لمده بدت لي قصيرة، ولكنها كانت غنية ومن ذهب، لأني تعلمت فيها منه الكثير من الناحية الصحفية والمهنية، فقد ساعدني ووجهني كثيراً في فهم الفن الكاريكاتوري، الله يحفظه فهذا الانسان كنز وطني لا يعوض، ولازلت اتذكره كل يوم، وبهذه المناسبة أهديه التحية والسلام والتقدير عبر موقعكم هذا.
كنت وفي تلك الفترة، وإلي جانب إلتزامي مع بقية الليبيين المناضلين، أعمل بشكل عصامي في مهن مختلفة، كالمطاعم مثلاً، والتحقت بمدرسة ليلية لدراسة الكمبيوتر، وكان ذلك الوقت تدريس الكمبيوتر يقتصر فقط في تعليم الطباعة وأولويات التعامل مع ذلك الجهاز العجيب، ولكني بدأت ارسم بعكس الطلبة الأخريين والذين كانوا يكبروني سنا، وبدلا من ان يصر أستاذي علي التركيز علي تعلم الطباعة، شجعني علي الرسم وكان الأمر بسيط بالنسبة لي وعادي، إلا أن المدرس كان له رأي أخر، وان لدي موهبة خاصة، فشجعني علي ان التحق بكلية الفنون وساعدني علي الحصول علي قبول فيها ، وفعلاً بدأت الدراسة وأتذكر بأنني حيينها كنت أعمل في مطعم ايطالي في الليل، واستمريت الدراسة وتحصلت علي شهادات أولية، الأمر الذي يعد في ذلك الوقت بالنسبة لي وفي تلك الظروف انجاز ضخم، وأصر جميع الاساتذة علي ان التحق بجامعة برادفورد للفنون، وهذا ما تم وتحصلت علي شهادة ديبلوما عالية في علوم الاتصالات ثم ماجيستير في الفنون الجميلة، وهناك بدأت اهتم بالفن كمتخصص، وقمت بعدة دراسات وأبحاث فتطور فكري وتعلمت نظرية استعمال الالوان وبدأت مزجه بالموسيقي التي استمع اليها طوال الوقت، وتطور ذوقي واصبحت استمع الي الجاز من العشرينات الي الخمسينات، وقرأت الكثير عن حياة السود في امريكا الشمالية واللاتينية من كل نواحيها الاجتماعية، والنضالية السياسية ومدي تأثيرهم في الفن الموسيقي والحضارة الغربية، وكنت اترجم ايقاعات الموسيقي الي خطوط والوان ورسوم متحركة بسيطة، ووجدت تشجيع من الاصدقأ والمدرسين وهم الذين نصحوني بمزج تجربتي في ليبيا مع الفن الغربي وكنت اطلع علي رسوم الفنانين الغربيين واحببت الكثير منهم، وظل: بيكاسو، الأمثل بالنسبة لي، احببت الوانه وطريقته في التعبير بخطوط بسيطة وكان عاطفي جدا، وعبر عنها (أي عاطفته)، في لوحاته بطريقته الخاصة ودائما ما كان يبحث عن طرق مختلفة وفي تطور مستمر وتأثر بالفن الافريقي خاصة الاقنعة الافريقية ولكن هذا موضوع اخر لربما نتطرق اليه مرة اخري. بيكاسو كان له تأثير كبير علي نفسي واتجاهي الفني كذلك.
في اواخر سنوات الدراسة عرض علي نفس الاستاذ الذي شجعني في البداية علي دراسة الفن الي الانظمام لهيئة التدريس في الكلية فوجدتها فرصة فبدأت التدريس ولازلت طالبا ولكن خبرتي واحتكاكي بالمدرسين ساعدتني، وعندما اتممت الدراسة انخرطت في مجال التعليم وتحصلت علي شهادة التدريس بعد سنتين من الدراسة، ونفس الوقت زاولت هواية الرسم وقمت بأعمال كاريكاتورية مختلفة لشركات تجارية كبيرة وهذا ساعدني جدا من ناحية الخبرة. ومن خلالها تعرفت علي الانترنت، مأريد قوله هنا أن الموهبة في حد ذاتها لا تفي بالغرض، ولا يمكن أن نعول عليها بالأساس ولوحدها ان لم يتم صقلها من خلال الدراسة والتحصيل والممارسة والأحتكاك لإكتساب الخبرة، فحينما تحتك بالوسط التعليمي، وتتعرف علي المدرسين المتخصصين، تدرك بأنهم علي مستوي عالي جدا من المعرفة والفهم للفن وحتي السياسة وهذا يساعد من ناحية النقد لأعمالك واعطأ النصائح لأنهم ذوي كافأة عالية، فخلال دراستي استغليت فرصة تواجدي في رحاب الجامعة بالحديث معهم والتواصل والإحتكاك، فتعلمت الكثير منهم فعلا كانوا اساتذتي وافخر بمعرفتهم وعلاقتي بهم، ومنهم من لا يزال علي اتصال بي الي الان فالدراسة لها تأثير كبير علي الموهبة لأنها تساعدك علي الاطلاع والاحتكاك بالطلبة للتعرف علي مواهبهم الأمر الطي يزيدك معرفة وإنفتاحاً، الصقل العلمي والتحصيل الأكاديمي منحني الثقة في النفس والقدرة علي العطاء، وبدوري انصح اي شاب ليبي يريد ان ينخرط في هذا المجال عليه الالتحاق بكلية والدراسة.
حبي للالوان يرجع لطبيعتي وبيئتي التي تربيت فيها.. الشمس،، البحر، كنت اسكن قريبا من سوق الظلام فكنت يوميا اسير من سوق الجريد الذي كان فيه محلات تبيع البهارات وشد انتباهي الوانها المختلفة ورائحتها القوية، وكذلك الوان الخضروات التي كانت تسقي طوال الوقت حتي لا تجف من حرارة الطقس، فتفوح منها روائح مختلفة الفلفل الكبير والمعدنوس النعناع، أتذكر كم كان الجو مفعم براوائح زكية طبيعية وكذلك الاكلات الشعبية، وكذلك سوق الظلام الذي كان غنيا بجميع انواع المفروشات والاقمشة الملونة ورائحة الجلود، فتجد نفسك في جو طبيعي فني زاخر، وأيضاً سوق الحدادة والجزارة وطعمية سي بو عشرين كانت تملي الجو، ورائحة القهوة العربية من متجر الموهوب.. كل هذا كان له تأثير علي تكويني منذ الصغر، خاصة وأنني كنت قوي الملاحظة وخيالي واسع ولازلت احتفظ بكل ذلك الزخم في ذاكرتي، وفي السنوات الأخيرة جمعت كل تلك الذكريات والتجارب واظهرتها في اعمالي، لدرجة أن بعض الفنانيين يعرضون أعمالي علي مواقعهم في امريكا اللاتينية، مثلاً، لأنهم يروا اعمالي قريبة من مجتماعاتهم الزاخرة بالالوان والموسيقي الجميلة، وهذا يبعث للفرحة لكون أن أعمالي وتعابيرها ليست محصورة علي مجتمع واحد، بل للعديد من المجتمعات الإنسانية، وهذا جاء من الموهبة والدراسة الطويلة والخبرة، ومن خلال اعمالي علي الانترنت تعرفت علي الكثير من الفنانين من جميع انحاء العالم . الفن لايعرف حدود، وليس كما قال الدجال القدافي الشعوب لاتنسجم الا مع فنونها فقط، هذا كذب وهرأ ودليل علي عدم المعرفة والعصبية وضيق الأفق.... أشعر بأنني أطلت في الجواب ولكنني ملزم بذكر كل ما ذكرت (مبتسماً).
إلي جانب الحبكة الفنية في الرسوم، وخصوصاً الكريكاتور، يكون المضمون، أعمق وأبلغ من عدة مقالات أو دراسات تحليلية، بدايات الساطور كانت غير غزيرة علي الأنترنت، ثم توالت الإبداعات، إلي أن أصبحت وجبة تثقيفية وتوعوية رئيسية في أغلب المواقع الليبية الرائدة، إلي مرحلة موقع الساطور الخاص، فما السبب وراء التسمية؟ لماذا الساطور؟ وهل من تفصيل لتلك المسيرة المتواصلة إلي يومنا هذا؟
للتوضيح أنا كإنسان يهوي الرسم والفن بجميع انواعه يختلف عن الساطور كشخصية رمزية، فالساطور من صنيعتي وليس بالضرورة يمثلني أو يطابقني، فالساطور قد ينتقدني كشخص إن أخطأت، كما أنني وكإنسان يمكن أن أنتقد الساطور، فالنسبية هي أول شروط الموضوعية.
بداية الساطور كانت عند الدكتور اغنيوة والشكر له، فهو الذي اتصل بي عندما رأي اعمالي علي موقع لشركة كنت اقوم ببعض الاعمال لها، ولم اكن اسمع عن اي شئ بخصوص ليبيا علي الانترنت حينما كان في بداياتة الاولي، ولكن بفضل اغنيوة الذي اقترح ان يربط موقعي عنده، وفرحت جدا، ولكن بعد فترة قصيرة بعثت له بالساطور وقلت له افضل ان اشارك بأعمال تهمني اكثر، وبحرية شخصية أكبر، ومنها انطلق الساطور ولم يكن في خاطري عند البداية ان اعمالي ستجد متابعين ومهتمين، لذي لم ابالي كثيرا، ولم ألتزم بشكل جاد، لدرجة أنني كنت انقطع في بعض الاحيان، وحتي عندما يقول لي أحدهم بان اعمالي تصل الي عدد كبير من الليبيين لم اكن اصدق!! طوال الوقت كنت أظن أن عدد المطلعين علي اعمالي لايزيد علي عدد اصابع اليد، وهذا يرجع عن انقطاعي عن التواصل مع الليبيين بشكل عام، وعدم تقديري الصحيح لمدي قوة الانترنت في النضال ضد القذافي واعوانه. ولكن عندما شعرت بمدي تأثير ذلك علي النظام ودور الرسم في المعركة الألكترونية الهام، وإستدراكي لرسوم بابلو بيكاسو ضد ديكتاتور إسبانيا: فرانكو، وكذلك تأثري بالفنان جايمس غيلاري 1757-1815 الانجليزي ورسومه السياسية، وتشارلز فيليبون 1800-1860 هؤلأ الفنانين كانو يرسمون ويستهزئون بحكام عصرهم واعجبني الفرنسي فيليبون لرسمه لملك فرنسا لويس فيليب علي هيئة انجاصة مما اغضب الملك ورفع عليه قضية، نعم إستحضرت كل ذلك وتعلمت من هؤلأ الفنانين بأن سلاح الكاريكاتور والفن في عمومه له تأثير قوي، ومع تطور الانترنت وشعوري بأن الناس في ليبيا فعلا يشاهدون اعمالي،بدأت في تقنين اسلوبي، وزوايا معالجتي للقضية الوطنية، وإزداد إهتمامي بتجارب رسامين اخرين وفنانين الفوتو مونتاج مثل ريتشارد هاميلتون، جون هارتفيلد واخرون ومصورين مثل الفرنسي هنري كارتير بريسون وهو المفضل لدي، ولكن مع الاسف لم اجد اي رسام عربي او فنان يملك قدرة الابداع التي يملكها الغربيون، فهؤلاء متشبعون بجو الحرية والتحرر، ولايجاملون احدعلي حساب معتقداتهم وقضايا شعوبهم وأممهم، عكس الرسامين العرب الذين تجدهم ينتقدوا كل شئ ويتطاولون علي الجميع الا حكامنا الذين هم اصل الداء والبلاء . فتجربتي في الغرب ومرحلتي الدراسية وتعليمي علي يد أساتذه من الطراز العالي، كانت كهدية من السماء، فكنت دائم الإستماع الي نصائحهم فكل هذه التجارب علمتني بأن اقول الحق ولو في وجه سلطان جائر كما يقال، وبدأت اقتنع بأن رسومي وما تحملها من أفكار تستطيع ان تزعج الدجال واعوانه، فكرة الساطور بدأت من بداية الثمنينات وكانت عبارة عن مطبوعة كنت انشرها وابعثها للأصدقاء للتسلية والاسم جاء من مصطلح الليبي الدارج: "القرمة" عند الجزار، وهو ما يعني الحديث الناقد عن شخص ما ولو في حضوره !! ولم يخطر ببالي ان يصبح في يوما ما رمزاً نضالياً ضد الدجال.
ماذا عن معارضك الفنية في ديار المهجر، وهل من مناشط أخري للساطور في ديار الغربة؟
اقوم بمعارض بين الحين والأخر، مؤخراً قمت بمعرض في مانشستر، وفي العادة لا افصح عن الاماكن التي اعرض فيها اعمالي الي ان يحين اليوم المحدد، ولكن عندي زبائن يشترون اعمالي او يطلبوا لوحة بعينها لمناسبة محددة، والان اشتغل مع موسيقي امريكي يدعي: نييل ناثين، في انتاج رسوم لألبومه ورسوم متحركة بسيطة لڤيديو لأحد اغانيه، فأنا دائما مشغول وكذلك مهنة التدريس التي ازوالها منذ اثني عشر سنة تأخذ قسما كبير من وقتي. ولكن الساطور هو اهم شئ عندي، فأنا أنتشي وأشبع حماستي لبلدي بعملي الوطني أكثر من أي شئ أخر، لدي افكار عن أوضاعنا في ليبيا اريد ان انقلها الي لوحات زيتية للتعريف بمأساتنا وربما عرضها في المستقبل القريب انشالله ولكن ايجاد الوقت السانح لتحقيقها هو المشكلة.
تكتب رأيك أو تعليقك أو ردك علي جل الأحداث الوطنية بالصورة، وزي ما نقولوا بالليبي: (أللي شاف موش زي اللي سمع)، لو نطلب منك الأن أن تصف أوضاع الوطن كما يراها الساطور، فهل ستفضل أن تجيب بالكلمة، أم بالصورة أم بكلاهما؟
دائما كنت اتابع سياسات القذافي وتصرفاته وسلوكه، واستمع الي خطبه بالراديو والتلڤزيون، بقصد التعرف علي شخصيته ورصد طبيعته الغريبة الشاذة، وأول شئ لاحظته هي ابتسامتة الصفراء الماكرة المستهزئة، التي اعطتني إنطباع أبدي بأنه غير صادق، وغير مأمون الجانب، وصوته كان شاذا خالي من اي عواطف وعيونه كانت ثاقبة بحقد وغليل لا ينطفئ، فلم اثق فيه اطلاقا. وأتحدث هنا كفنان رسم، أي بقوة ملاحظة وتأمل مختلفة عن غيري... والان وبفضل الكمبيوتر استطيع ان اسجل له خطاباته وان احلل كل حركة ويمكن القول بأنه عرف ذلك وتفطن له أزلامه، ولكي يدرك الشعب الليبي كم هو هش وضعيف هذا النظام وهذا الديكتاتور، تصوروا أنه الأن توجد اوامر صارمة بعدم الاقتراب منه بكاميرات التلڤزيون، وعدم التركيز علي تحركاته وتصرفاته في المناسبات العامة والخاصة، دائما تشاهده علي النشره من مسافة بعيدة ومن خلال متابعتي للنشرات والمؤتمرات الفارغة تشعر بأن هناك شئ غير عادي وفزع وخوف بين اذناب الدجال، والساطور يتصيد كل ذلك ويرصده ومن ثم يبينه للعموم من خلال الصور التي تبثها اذاعة القنفود ذاتها، اتمني لو عندنا صحفيين يقرأون الاحداث من خلال مشاهدة اذاعة القنفود ويكتبون عنها بطريقة مبسطة، فكما قلت الساطور يعبر عنها بالصور والتعليق فقط. الصورة المبسطة اقوي من الكلمة لأن كل انسان يفهمها بحسب إمكانياته وعقليته، لذلك انا استعمل صور ورسوم لتصل رسالتي لكل مواطن ولا أحب تعقيد ما هو واضح وبسيط عبر الإطالة في شرحه، فكلما كانت الفكرة مبسطة ومباشرة، كانت قوية ولها تأثير ملموس علي خيال المتابع، لهذا الساطور لايزال يحاول في الوصول الي تلك النقطة وهي التبسيط.
كمعارض في المهجر الا تتفق معي في أننا لم ننوع في سبل معارضتنا للنظام من جهة وفي تعريف العالم بقضيتنا من جهة أخري، بخلاف أسلوب الإحتجاج المناسباتي المكرر، أمام بعض السفارات، أو الكتابة الدورية علي منابر الإنترنت، أين هي الندوات، والمعارض والحلقات المفتوحة في الجامعات أو الأحزاب السياسية الغربية ومؤسسات المجتمع المدني الدولي، أين هو الحضور الليبي للفنان والمطرب والرياضي والكاتب الروائي، والأطفال والمرأة؟
اتفق معاك مية في المية، بأستثنأ بعض الشخصيات التي تساهم في الظهور في عدة برامج تلڤزيونية ومنهم الاستاذ محمود شمام والاستاذ جمعة القماطي وحسن الامين، كنت اتمني ان تسنح الفرصة للدكتور: محمد االمقريف، مثلاً، خصوصاً وأن لقاءاً كان مقررا علي قناة: الجزيرة، وفي برنامج شاهد علي العصر، إلا أن تدخل الدجال الديكتاتور حال دون ذلك. لدينا شخصيات فذة مثل الاستاذ الفاضل: فاضل المسعودي، محمد بن احميدة، ابراهيم صهد، واخرين شباب ولهم امكانيات عالية ولهم تكوين سياسي ومعرفي وطني مشرف، وأسلوب خطابي وقدرة علي المحاورة والإقناع عالية، أنا جد متأكد من فعاليتها في اقناع الرأي العام بقضيتنا، ولكن الاعلام العربي كله تحت مطرقة الحاكم والجزيرة اصبحت مثل اذاعة القنفود فقدت كل المصداقية.
لايوجد حضور سياسي وحقوقي للفنانين والمطربين او رياضيين هذا يرجع لعدم خبرة الليبيين في العمل السياسي، لحرمانهم من واجباتهم السياسية منذ 40 عام، فتولدت اللا مبالاة وقلة الوعي، فالرياضي فتجد كل اهتمامته هي الرياضة لا أكثر ولا أقل، ومن ذكرياتي الشخصية المريرة في هذا الشأن، هو رؤية بعض الرياضيين يزاولون رياضة السلة في نفس القاعة بعد أن تم فيها شنق المرحوم الصادق الشويهدي، حاولت ان افهم ذلك المشهد أو أتناساه فلم استطع إلي يومنا هذا. أما عن من يصنفون أنفسهم علي أساس أنهم كتاب.. روائيون.. أدباء، فماعليك الا ان تنظر اليهم عند المواقع البارزة، انا شخصيا وبصراحة لأكن لهم اي احترام ولا اقرأ كتابتهم. موسيقيا كانت هناك نهضة موسيقية في الثمنينات قامت بها جبهة الانقاذ كانت لهم فرقة موسيقية واناشيد ولكن مع الاسف اختفت الان، اما الباقي واقصد في الداخل فلا يوجد مطرب واحد تقول عليه السلام . هناك نساء يشاركن في الكتابة فقط، والاطفال مع الاسف الشديد تحت رحمة الأباء المتقاعسون بدورهم فلا حول ولاقوة لهم، ولو كانت لدي الامكانيات المادية لقمت بتحقيق كل هذه الافكارء، لاتنسي اننا نحارب دجال يملك الاموال لشرأ الضمائر والبطون، وانت تشاهد مايقوم به اعوان الدجال من محاوالات لشراء ذمم الناس في الخارج، اما المعارضة الليبية فليس لها اي مقدرة حتي علي عقد مؤتمر في ظروف جيدة مع الاسف الشديد. لهذا قمنا (الشاعر الاجدابي والساطور) بنشر ندأ للمعارضين من أجل التوحد من اجل ليبيا وطلبنا تنسيق الجهود والتأزر، وبعدها بدأت تظهر مجموعة من المقالات تطالب بنفس الشئ.. فأرجو ان يلبى هذا النداء، واذا تحقق حلم التعاون والتكاثف، عندها ستكون هناك امكانيات حقيقة لتحقيق أ شياء مادية وملموسة علي الساحة الوطنية، فلو تم التعريف بقضيتنا من خلال معارضة قوية وبصوت واحد فأنا متأكد بأن العالم سيسمعنا.. اما الأن فلا أري الا مجهودات فردية من اشخاص قلائل، كان الله في عونهم وعوننا جميعاً.
الساطور يمكن أن يكون نواة لمشروع فني معارض ومناهض للحكم الديكتاتوري في ليبيا، يوازي أو ربما يدفع بالحراك السياسي الليبي المعارض للأمام، الم تفكر في هذا الإتجاه (رسم – تصوير فوتوغرافي – موسيقي – غناء – شعر كتجربة تعاونك مع الإجدابي مثلاً؟
بدون شك افكر في هذا الموضوع طوال الوقت، ولدي افكار كثيرة ولكنها بحاجة الي المادة إلي الموارد، ولا تنسي وكما هو حال أغلب الليبيين في المهجر، صعوبة الحياة في ديار الغربة، بين الشغل ولي اسرة لها مصاريفها، واذا سنحت الفرصة للتفرغ للعمل الوطني فستري اعمالا اقوي، مثلا اقامة محطة تلڤزيونية علي اليوتيوب وسيكون هناك اعمال مع مطربين، ممثلين الخ، وخاصة الشاعر الاجدابي الذي اري فيه كنزا من الابداع انه رهيب جدا وارجو الاستفادة منه، كما ذكرت سابقا ان معرفتي بدور الفن متواضعة ولكن اعرف كيف لي أن اسخرها لمحاربة الظلم، وكما يقول المثل الروسي "الفن يهزم الكذب"، عندما رأيت ان المعارضة قد ضعفت في خطابها السياسي الجماعي، أخذت علي عاتقي مبادرة معارضة النظام فنياً، وبدأت الحرب الاعلامية من خلال الرسوم والصور لوحدي، لإقتناعي بأنه واجبي ولا أنتظر من وراءه جزاءً ولا إشادة ولا شكورا، وسأستمر حسب طاقاتي المحدودة ولأملك الا عقلي وخيالي ولأحد سيثنيني الي ان اصل الهدف الموعود وانا علي ثقة تامة بذلك، كما أنني علي ثقة تامة بشعبي البطل من زوارة إلي أمساعد.
لا شك من أنك تتعرض لمضايقات، وتهديدات ربما، وكلما زادت شعبيتك كلما سُعر خصومك، فالجميع يتابع تلك الوشايات الرخيصة التي ينشرها أشباح النظام حول شخصك وعائلتك وما إلي ذلك من أساليب وضيعه، فهل لك من تسليط الضوء علي تلك الممارسات، مع أننا تعلم تواضعك وعدم تحبيذك للحديث حول هذا، ولكنه في رأينا مهم أن نوضح المشهد للقراء...
بصراحة انا لأبالي بما ينشرونه, بل يزيدني عزيمة وعناد انه مثل الوقود بالنسبة لي، ما يعنيني هو الانسان المضطهد في ليبيا والممتن لكل من يعبر عنه ويصرخ بلسانه، اما الذين يمانعون فهم لا يعنون شيئا حتي لإنفسهم.
ما رأيك في ركن "قراقوز" – كريكاتور، في موقع ؤسان ونقصد بالأساس، أعمال الفنان الأمازيغي: بوغراف، وتعليقات: أسكلكول، الساخرة: كلام علي كلام؟
بصراحة لما زرت موقعكم المظفر عند ظهوره شد انتباهي بشكل مباشر، اعجبتني الالوان الجميلة والطريقة الخفيفة الدم والتمييز في الاخراج، وكذلك الاسلوب الكتابي المبسط، وكما قلت لكم في معرض حديثي السابق أنا أعشق البساطة وأؤمن بقوتها، وعندما رأيت اسم الاستاذ الكبير: فاضل المسعودي، عرفت انني أمام موقع غير عادي، وهو فعلاً يختلف عن جميع المواقع الليبية الأخري، التي بعضها اصبحت مثل سوق التركة. اما بالنسبة لرسوم الفنان الامازيغي: بوغراف، فهي في الصميم، وتعجبني طريقته الفنية في التعبير عن الواقع الامازيغي، ولكن ياريته (ضاحكاً) ينشر اعماله بشكل متواصل عند المواقع اخري مثل الدكتور اغنيوة وليبيا المستقبل، حتي يرفع عني العناء شويه، واهلا وسهلا به عند موقع الساطور في اي وقت، ولن يكون هناك اي تحفظ علي رسوماته، وهذا جانب أخر أرغب في التطرق إليه بالمناسبة: اريد ان اشجع وجوه جديدة علي العمل في المجال الفني لأنه اجمل واسمي مجال. فتحية لبوغرف واتمني له النجاح الباهر.
هل لك بكلمة أخيرة لقراء ؤسان؟
اتقدم بكل الشكر والامتنان لأتاحتي الفرصة للتعريف بنفسي والتحدث عن احلامي وطموحاتي من اجل ليبيا وارجو ان اكون قد وفقت بأجاباتي ولم اطيل عليكم بها وتمنياتي لمجلة ؤسان بالتوفيق والاستمرارية علي منهجها المختلف واسلوبها الشيق. ودمتم.
نقلا عن موقع ؤسان - 16 فبراير 2010
http://www.ossanlibya.com/?p=4370