كفانا سيراً فِي طريق المجهول... لدينا دستور فلنعدله، ومَلِك فلنبايعه
كان ولّي العهد الأمير الحسن الرَّضا السّنوُسي (1928م - 1992م) بمقر سكنه فِي طرابلس ساعة وقوع الانقلاب فأرغمه الإنقلابيّون على التنازل عَن العرش تحت تهديد السّلاح حيث أجبره على ذلك أحد أعضاء مَا يُسمّى بـ(مجلس قيادة الثورة) وهذا مَا أكده السّيِّد محَمّد الحسن الرّضا إبن وليّ العهد فِي مقابلاته الصحفيّة، وتمّ بث نص خطاب التنازل فِي الراديوالِلّيبيّ.
وُضع الأمير الحسن فِي السجن مِن سبتمبر / أيّلول 1969م إِلى صيف 1972م ثمّ تحت الإقامة الجبريّة فِي بيت تحرسه كتيبة جيش مِن صيف 1972م إِلى منتصف عَام 1977م. وبعْد رفع الإقامة الجبريّة عنه فِي نهايّة عَام 1977م، صدر قرار أخر فِي نهايّة عَام 1978م يقضي بمنعه مِن أداء صلاة الجمعة والتي كان يؤديها فِي جامع إدْريْس وسط طرابلس بعدما رأت السّلطات تجمع النَّاس لمصافحته ومعانقته بحرارة بعْد أدائه للصلاة، فأثارت هذه المسألة حفيظتها وغضبها ودفعها لاتخاذ القرار سالف الذكر.
وَبعْد ذلك، قامت بعض عناصر اللّجان الثّوريّة ومخابرات نظام القذّافي بحرق المنزل الّذِي كان يقيم به الأمير الحسن الرَّضا وأسرته فِي شهر فبراير / شباط 1984م، وأجبرت عناصر النَّظام عائلة الأمير على مشاهدة المنزل يحترق بكلِّ محتوياته. وبعْد إصابة الأمير الحسن بجلطة وتدهور حالته الصحيّة بشكل كبير، سمحت له سلطات القذّافي بالسفر إِلى الخارج رفقة أبنه محَمّد النجل الثّاني فقط لتلقي العلاج فِي المملكة المتَّحدة، وسمحت لبقية أفراد الأسرة بعْد مضي ثمانيّة أشهر باللحاق به.
سمحت أجهزة القذّافي المخابراتيّة لسموالأمير الحسن الرَّضا بمغادرة البلاد يوم 18 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1988م للعلاج فِي لندن بعدما أكد الأطباء لرجال المخابرات أنّ سموه لن يعيش أكثر مِن شهر أوشهرين. هذا مَا ذكره وأكد عليه السّيِّد محَمّد الحسن الرّضا حينما حاورته مجلّة الحقيقة الإلكترونيّة، فقال:..".. سمحوا للوالد بالسفر بعدما قال الدكاترة أنه لن يعيش أكثر مِن أشهر.. ولكن شاء الله أنّ يبقى الوالد حياً لخمس سنوات مِن سنة 1988م إِلى 1992م..". تُوفي الأمير الحسن الرَّضا فِي لندن يوم 28 إبريل / نيسان 1992م، ونقل جثمانه الطاهر إِلى المملكة السعوديّة حيث دفن بقرب قبر سيدنا محمّد عليه الصلاة والسّلام، وبجانب قبر عمّه المَلِك محمّد إدْريْس السّنوُسي فِي البقيع بالمدينة المنورة.
فبعْد انقلاب الأوَّل سبتمبر / أيّلول 1969م، سجن معمّر القذّافي رجالات الدولة وعزل كبار الضّباط وأهم مسؤولي أجهزة الدولة ومؤسساتها، وألغى الملكيّة وأنشأ الجمهوريّة التي أصبحت جماهيريّة فيما بعْد، وأوقف عمل مجلس النوّاب والعمل بدستور 1951م، وبعدئذ قام متعمداً بطمس التَّاريخ الِلّيبيّ وصفحاته المشرقة والدّور التَّاريخي الرَّائد للمَلِك إدْريْس السّنوُسي (1890م - 1983م) الأب المؤسس للدولة الِلّيبيّة. عمل نظام معمّر القذّافي، مُنذ استيلائه على الحكم فِي نهاية صيف 1969م، على إذلال الشّعب الِلّيبيّ وتكبيله بالأغلال والقيود، وإثارة الفتنة وتمزيق الأوصال بين أبناء الشّعب الواحد، وهدر ثروات البلاد لتدعيم وتقوية سلطته وفي مغامرات فاشلة وحروب خاسرة لا ناقة لليبَيا فيها ولا جمل. واستمر النَّضال ضدَّ هذا النَّظام القمعي الشمولي الّذِي فاق عنفه وجبروته وتخلفه كلّ الأنظمة الدَّكتاتوريّة فِي المنطقة، مُنذ اليوم الأوَّل للانقلاب إِلى ساعة اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير أيّ أكثر مِن أربعة عقود من الزمن.
وَلاشكّ أن سبب الفوضى والتخبط والواقع الأَسِيف الّذِي نعيشه مُنذ تحررنا من النَّظام الدّكتاتوري، يرجع إِلى عدم وضع برنامج متدرج لتجاوز مخلفات ثقافة نظام القذّافي، والبدء بخارطة طريق خاطئة تتمثل فِي الإعلان الدّستوري المُؤقت الصّادر يوم 3 أغسطس / أب 2011م والّذِي ذكرنا بالإعلان الدّستوري المُؤقت الّذِي أصدره معمّر القذّافي فِي 11 ديسمبر / كانون الأوَّل 1969م، والّذِي جعلنا نخوض عمليّة الانتقال السّياسي بمعزل عَن ماضينا وجذورنا مِن خلال فك الارتباط بين الحاضر والماضي والأبناء والأجداد، وكأننا مُجتمع هامشي ليس لديه تجربة وتاريخ وإنجاز وبطولات وأرضية صلبة نستطيع أن نبني عليها.
لم يشر الإعلان الدستوري الصّادر فِي أغسطس، إِلى كفاح الِلّيبيّين والاستقلال والمَلِك إدْريْس أبوالدستور الّذِي جَاوزْنَا بأنفاسِه المحن والكروب. وتجاوزت الخطّوات الناتجة عَن الإعلان الدستوري، الشّرعيّة الدّستوريّة ومَا حققه الأب المؤسس للدولة الِلّيبيّة وذلك بالشروع فِي كتابة دستور جديد لا علاقة له بتاتاً بدستور 1951م، الأمر الّذِي يُعد إساءة كبيرة فِي حق مكتسباتنا وتاريخنا وشهادة ميلاد دولتنا الفتية بل يذهب إِلى حد الطعن فِي الاستقلال نفسه حيث أن قرار الأمم المتَّحدة القاضي باستقلال ليبَيا اشترط إنجاز الدستور قبل الاعتراف باستقلال البلاد الّذِي حدد موعداً لإعلانه فِي مدة أقصاها أوّل يناير / كانون الثّاني 1952م وقد صدر الدستور الّذِي أنجزته الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة وأشرفت عليه الأمم المتَّحدة فِي 7 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1951م وتمّ الإعلان عَن الإستقلال فِي 24 ديسمبر / كانون الأوَّل 1951م وبالتالي اعترف العالم بدولة ليبَيا المستقلة بناءاً على ذلك. وهذا الاشتراط أيْضاً يحمّل الأمم المتَّحدة مسئوليّة خاصّة تجاه دستور 1951م وتجاه ليبَيا والتي رُبّما لا تكون على القدر نفسه مع غيرها مِن البلدان.
وَمِن جديد، لم تُشِر ديباجة الإعلان الدستوري المُؤقت الصّادر بعْد ثورة السّابع عشر مِن فبراير، إِلى تاريخ الشّعب الِلّيبيّ الفخم العظيم ولا إِلى دستور 1951م الّذِي توأم بين شرعيتين: الشرعيّة الوطنيّة المحليّة والشّرعيّة الدّوليّة المتمثلة فِي مباركة الأمم المتَّحدة لأعمال مندوبها والإقرار بما أنجزته الجمعيّة الوطنيّة الِلّـيبيّة وعلى رأس ذلك الدستور الصّادر عنها. ولم يذكر المُستشار مُصْطفى عبْدالجليل رئيس المجلس الوطنيّ الانتقالي يوم 23 أكتوبر / تشرين الأوَّل 2011م فِي خطاب التَّحرير مِن نَّظام معمّر القذّافي، المَلِك إدْريْس السّنوُسيّ والرجال الّذِين جاهدوا تحت رايته وأمرته، وحققوا الانتصار والإستقلال ثمّ انجزوا ونهضوا بشعب طحنته الحروب، وأنهكته ويلات العوز والفقر. واستمر الوضع على هذا المنوال بعْد عبْدالجليل ومجلسه، على اختلاف الأسماء والمسميات أشخاصاً كانوا أومؤسسات، فتلاحقت الأحداث وتراكمت الأخطاء وتطورت حتًّى وصلت إِلى صراعات دمويّة وأزمات طاحنة صارت تهدد أمن البلاد واستقرارها ووحدتها الوطنيّة.
وَيُذكر أن انقلاب سبتمبر لم ينجح لأسباب موضوعيّة بل ساهمت ظروف معينة ومفارقات وأطراف عديدة فِي تسهيل سيطرة حركة الضبّاط الصغار على السّلطة والقبض على زِمام الأمور فِي البلاد دون اشتباكات مُسلَّحة وإراقة أية دماء. وقد حصل الانقلاب فِي البدايّة على بعض التأييد الشّعبي بحكم تأثر الرَّأي العام الِلّيبيّ بالمد القومي الناصري خصوصاً أن الانقلابيين رفعوا نفس شعارات جمال عبْدالناصر المتمثلة فِي (حريّة - اشتراكيّة - وحدة). ورغم أن الرفض كان محدوداً فِي البدايّة إلاّ أنه تعاظم مع مرور الأيّام والشهور والسنوات حيث بدأ الانقلابيّون فِي ممارسة جرائمهم بشكل تصاعدي مُنذ اليوم الأوَّل لاستيلائهم على السّلطة حتَّى بلّغت حد الاعدامات العلنيّة وسط الميادين العامّة فِي النَّصف الثّاني مِن سبعينات القرن المنصرم.
ومُجمل القصّة، رفضت شّخصيّات وطنيّة كثيرة مَا حدث فِي الأوَّل مِن سبتمبر / أيّلول 1969م ساعة وقوعه واعتبرته انقلاباً على الشرعيّة الدّستوريّة وطالبت قادة الانقلاب بالعودة إِلى معسكراتهم وثكناتهم العسكريّة. وتبلور هذا الرفض فِي تنظيمات وكيانات سياسيّة نضاليّة تأسست فِي الخارج فِي أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن المنصرم، وظهر مِن بينها صوتٌ يدعوللعودة إِلى دستور 1951م وتجديد البيعة للمَلِك إدْريْس السّنوُسي. وهذا الصّوتُ هُو(الاتحاد الدّستوري الِلّيبيّ) الّذِي أعلن عَن نفسهِ فِي ذوالقعدة 1401 هجري الموافق 7 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1981م مِن مدينة مانشستر البريطانيّة، منطلقاَ فِي تأسيسه مِن قاعدة (عدم شرعيّة نظام القذّافي) وضرورة إعادة الشّرعيّة الدّستوريّة إِلى البلاد وفرض سيادة القانون والنَّظام. وقد اتخذ الاتحاد الدّستوري علم الاستقلال شعاراً له، وطالب بالالتفاف حول المَلِك إدْريْس السّنوُسي الّذِي كان على قيد الحياة وقتئذ، وتجديد البيعة له والانضواء تحت لِوائه لإنهاء حكم الانقلاب وإزالة كلّ الآثار التي ترتبت على اغتصاب معمّر القذّافي للسّلطة فِي سبتمبر / أيّلول 1969م.
وفِي صيف عَام 2005م، نجحت القوى المُعارضة الوطنيّة فِي عقد مؤتمر وطنيّ فِي لندن ضمّ غالبية الطيف السّياسي الِلّيبيّ، وطالب المؤتمرون فِي بيانهم الختامي بتنحي العقيد معمّر القذّافي عَن كافة سّلطاته وصلاحياته الثّوريّة والسّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، رافضين توريث السّلطة لأحد أبنائه، ومنادين بتشكيل حكومة انتقاليّة، فِي داخل البلاد، مِن عناصر مشهود لها بالوطنيّة والنزاهة لإدارة البلاد لمدة لا تزيد عَن سنة واحدة، تكون مهمتها الأساسيّة العودة بالبلاد إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة المتمثلة فِي دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة، عَن طريق الدّعوة إِلى انتخاب جمعيّة وطنيّة تأسيسيّة تقوم بمراجعة الدستور تحت إشراف الأمم المتَّحدة وإحداث التعديلات المناسبة حياله، وعرضه على الشّعب الِلّيبيّ فِي استفتاء عام.
عقدت القوى الوطنيّة المُعارضة بالخارج يومي 18 و19 جمادى الأولى 1425 هجري الموافق 25 و26 مِن شهر يونيه / حزيران 2005م، مؤتمراً وطنيّاً تحت مظلة (الوفاق الوطنيّ) فِي لندن العاصمة البريطانيّة, ووقف المؤتمرون ينشدون النشيد الوطنيّ الرّسمي للمملكة الِلّيبيّة، ورفعوا علم الاستقلال المُكوّن مِن ثلاثة ألوان: الأحمر والأسود والأخضر ويتوسطه هلال ونجمة باللون الأبيض، والّذِي صدقت عليه الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة المعروفة بـ(لجنة الستين) التي أصدرت دستور 1951م.
وحينما رفعت قوى المُعارضة الوطنيّة فِي الخارج (علم الإستقلال) فِي مظاهراتها واعتصاماتها، وزينت به صفحات مطبوعاتها ومواقعها الإلكترونيّة وصالات مؤتمراتها وقاعات ملتقياتها، كانت تعبر مِن خلاله عَن هويتها ومدى تمسكها بمبدأ الشّرعيَّة الدّستوريّة، فعلم ليبَيا لا يمثل أسرة أوشخص أوعهد إنّما يمثل لحظة الانتصار والشّرعيَّة الدّستوريّة، ويرمز إِلى تاريخ جهادها الطويل المرير مِن أجل الحريّة والذود عَن حياض الوطن.
عقدت قوى المُعارضة الوطنيّة فِي الخارج مؤتمرين، كانت الدورة الأولى فيما بين 25 – 26 يونيه / حزيران 2005م، والدورة الثّانيّة 29 – 30 مارس / آذار 2008م، وأكدت فِي دورتي المؤتمر على ضرورة تنحي معمّر القذّافي ومطلب العودة إِلى الشرعيّة الدّستوريّة. ورأت وقتئذ - وبالرَّغم مِن أنّ القذّافي كان متحكماً بزمام الأمور - أن العودة إِلى دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة، تعني عودة الحق إِلى أصحابه وقطع الطريق أمام كلّ مَنْ يفكر فِي الوصول إِلى السّلطة بطريقة غير مشروعة وذلك بوضع حد فاصل بين مكتسبات الأمّة وتراثها وتضحيّات أبنائها وبين كلّ مَنْ يفكر فِي سرقتها أوالقفز عليها. ورأت العودة ممكنة وليست ضرباً مِن الخيال أوبمستحيلة المنال بل هي يسيرة إذا ما تمّ التمسك بها والإصرار عليها وجعلها مطلباً شعبياً ثمّ تقديم آليات تحقيقها وكل مَا يخدمها مِن أسانيد قانونيّة ورؤى وأفكار وحجج يفهمها العالم الحرَّ ولا يملك حيالها إلاّ الموافقة والمؤازرة والدعم.
ويمكن أن يُقال أيْضاً أن المؤتمر الوطني للمُعارضة الِلّيبيّة ساهم بطريقة أوأخرى فِي تصعيد الاهتمام بالمادة التّاريخيَّة وحِقبة العهد الملكِي بِمَا تُمثله مِن قوانين وتشريعات (دستور عَام 1951م) ومَا حققته مِن مفاخر وإِنجازات ومَا مثلته مِن شخصِيَّات وتأْتي شخصِيَّة المَلِك إِدْرِيْس فِي مُقدَّمِهَا. ولا شكّ، أن المُؤتمر الوطني كان نقطة تحول كبيرة فِي حركة نضال القُوى الوطنيَّة بِالخارِج مِن حيث تَبْنِي وسائل العمل السِّياسي السُّلمِي، والدَّعوة القاضية بِالعودة إِلى دستور عَام 1951م مِن نَاحية أُخرى كون هذا الدُّستور بِتَعْديلاتِه اللاحِقة يُمثّل الإرث الديمقراطي والشَّرعِيَّة الدّستوريَّة الوحيدة حيث أَقرَّته وصدَّقت عليه الجمعيَّة الوطنيَّة التأسيسيّة تحت إِشراف مَجلِس الأمم المتَّحِدَة الخاص بِلِيبَيا، وأَن إِلغاء دستور عام 1951م مِن قبل سلطة الانقلاب مَا هُوإِلاّ قَرار تعسَّفى وإِجراء غير شرعي لا يعتد بِه.
اتفقت القوى الوطنيّة على ضرورة إحياء الذّاكرة وإبراز حقائق التاريخ التي عمل القذّافي على طمسها وتشويهها ثمّ ممارسة العمل السّياسي السّلمي مِن خلال فكرة العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة المتمثلة فِي دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة. وتصاعد اهتمام الِلّيبيِّين بِالمَادَّةِ التَّارِيخِيَّةِ وانعكس ذلك بالإيجاب على فِكْرَة العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة حتّى صارت مطروحة للنقاش على كافة المستويات، ودفعت بمعمّر القذّافي لإخراج ابنه سيف إِلى الواجهة والدفع به لاحتواء هذا الحراك والالتفاف عليه حيث أعلن سيف فِي أغسطس / أب 2006م عَن ضرورة كتابة دستور ثابت لليبَيا.
وَمِن هُنا، نؤكد ونمضي قائلين أن رفع علم الاستقلال وصور المَلِك إدْريْس بعْد اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير، يُشير إِلى قيمة هذا الإرث فِي الوجدان الشّعبي وإِلى النتائج الإيجابيّة المرتبطة بمؤتمر لندن صيف 2005م ومَا نتج عنه مِن حراك. فقد استطاع النَّضال السّياسي والإعلامي للقوى الوطنيّة أفراداً وكيانات سياسة خلال الأعوام الممتدة مِن صيف 2005م إِلى مطلع عَام 2011م، أن يهيئ السّاحة الِلّيبيّة ويساهم فِي إنضاج الظرف الموضوعي لاندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير، ويجعل علم الاستقلال رمزاً للثورة لما يمثله هَذا العلم مِن رمزيّة تعني الشّرعيّة الدّستوريّة وتاريخ جهاد الِلّيبيّين الطويل المرير مِن أجل الحريّة والانعتاق والعدالة الاجتماعيّة والغد الافضل.
ولكن مِن المُؤسف أن المجلس الوطنيّ الانتقالي أراد الانطلاق مِن نقطة الصفر وغضّ الطرف عَن رمزية رفع علم الاستقلال وصور المَلِك إدْريْس وترديد النشيد الوطنيّ حيث انطلق فِي رسم خريطة الانتقال بعيداً عَن ميراث الجدود وأوَّل دستور صنعه الِلّيبيّون وأصدرته الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة فِي 7 أكتوبر / تشرين الأول 1951م والّذِي أنشأ الدولة الِلّيبيّة - ولأوَّل مرَّة فِي تاريخها - كوحدة سياسيّة بجغرافيتها التي نعرفها الآن.
فقد كان حرياً بالمجلس الانتقالي أن ينطلق مِن التراكمات السّابقة وشرعيّة مَا كان قائماً قبل استيلاء القذّافي على السّلطة فِي أوَّل سبتمبر / أيّلول 1969م ولا يبدأ مِن نقطة الصفر وينطلق فِي تأسيس الدولة مِن لحظة التخلص مِن نظام القذّافي وكأن لم يكن لدينا جهاد وتجارب ودستور لازال قائماً ونافداً رغم تعطيل العمل به غير القانوني والباطل مُنذ انقلاب سبتمبر / أيّلول 1969م.
وعليه، كان مِن المنتظر ان يتمّ اعتبار مَا حدث فِي الأوّل مِن سبتمبر / أيّلول 1969م إنقلاب على الشّرعيّة بعْد نجاح الثورة، وأن تتخذ خطّوات عمليّة تؤدي للعودة إِلى يوم 31 أغسطس / أب 1969م لأجل استئناف الحياة الدّستوريّة التي صنعها الآباء المؤسسون، واغتصبها الانقلابيّون في تلك الليلة حالكة السواد. ولم يكن متوقعاً أن ترسم خريطة الانتقال بعيداً عَن الشّرعيّة ولا منتظراً أن يتخلى المُعارضون الّذِين شاركوا فِي مؤتمر الوفاق الوطنيّ المنعقد فِي لندن صيف 2005م، عَن دعوة المؤتمر القاضيّة بالعودة إِلى دستور عام 1951 بتعديلاته اللاحقة.
والقوى الوطنيّة التي عارضت نَّظام معمّر القذّافي مِن الخارج، والتي شارك جزء منها فِي المجلس الوطنيّ الانتقالي والمكتب التنفيذي والمجالس التشريعيّة ولجنة الستين للدستور والحكومات المتعاقبة، والّذِين طالبوا فِي مؤتمر المُعارضة الِلّـيبيّة المنعقد بين ِيومي 25-26 يونيه / حُزيران 2005م فِي العاصمة البريطانيّة، بتنحي معمّر القذّافي عَن السّلطة والعودة إِلى شرعيّة دستور 1951م، نكثوا بالعهد الّذِي قطعوه على أنفسهم وتخلوا بالمطلق عَن ذلك بمجرَّد مشاركتهم فِي الهياكل القياديّة التي ظهرت بعْد اندلاع ثورة 17 فبراير / شباط 2011م. هؤلاء الّذِين تخلوا عَن مطالب مؤتمر لندن، كانوا قد أكدوا فِي دورتي المؤتمر الوطنيّ للمُعارضة الِلّـيبيّة على التمسك بدستور 1951م بتعديلاته اللاحقة والعودة إِلى شرعيته. كمّا أكدوا فِي مداولات مؤتمرهم أن الدساتير تعدل ولا تلغى، وتعديلها يتمّ وفق الآلية المنصوص عليها فِي مواد الدستور، والتي يجب التقيد بها واحترامها. وأن الشرعيّة تتواصل ولا تنقطع، والدساتير تُعدل وتُطور وفق مَا تمليه المصلحة الوطنيّة وتفرضه تطورات العصر ولا تلغى بمزاجيّة أوبجرة قلم. بل ذهبوا إِلى مَا هُوأكثر فأكدوا بأن الملكيّة هي جزء مِن دستور 1951م وبالتالي هي جزء مِن الشّرعيّة الدّستوريّة فلا يجوز المساس بها إلاّ مِن خلال قنوات شرعيّة تمثل الشّعب تمثيلاً حقيقياً وتحوز على ثقته وبعد ذلك يصبح التعديل المرغوب فيه جائزاً.
أستغل المُستشار مُصْطفى عبْدالجليل ومجموعته حالة التغيير وشكّلوا الوضع الجديد على هواهم حيث لم يستشيروا فِي خريطة الطريق التي رسموها فعاليات المجتمع ويأخذوا موافقة الشّعب الِلّيبيّ عليها. فقد تجاهل الإعلان الدستوري المُؤقت (خارطة الطريق) وخطاب التَّحرير.. تاريخ الِلّيبيّين وجهادهم الطويل المرير.. اسم المَلِك إدْريْس السّنوُسي قائد الجهاد والأب المؤسس للدولة الِلّيبيّة.. الشرعيّة الدّستوريّة المتمثلة فِي دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة، وكأن ليبَيا بدأ تاريخها يوم السّابع عشر مِن فبراير / شبّاط 2011م ، وإعلان استقلالها جاء على لسان مُصطفى عبدالجليل حينما وقف فِي ساحة الكيش فِي مدينة بّنْغازي الموافق يوم الأحد الموافق 23 أكتوبر / تشرين الأوَّل 2011م معلناً وفاة معمّر القذّافي والتخلص مِن نظامه الاستبدادي الشمولي الّذِي استمر (42) اثنين وأربعين عاماً، وليس يوم 24 ديسمبر / كانون الأوَّل 1951م بإعلان المَلِك إدْريْس السّنوُسي مِن شرفة قصر المنار فِي مدينة بّنْغازي، استقلال ليبَيا وميلاد دولتها كنتيجة لجهاد الشّعب الِلّيبيّ، وتنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتَّحدة، وبناءً على قرار الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة الصّادر بتاريخ 2 ديسمبر / كانون الأوَّل 1950م، وأن ليبَيا أصبحت مُنذ يوم 24 ديسمبر / كانون الأوَّل 1951م دولة حرَّة مستقلة ذات سيادة باسم المملكة الِلّيبيّة المتَّحدة.
وبعْد أسابيع مِن اندلاع الثورة، فاجئنا أحد أعضاء المجلس الوطنيّ الانتقالي، بظهور لافتة كبيرة خلفه كٌتب عليها (الجمهوريّة العربيّة الِلّيبيّة) أثناء مؤتمره الصّحفي المتابع ليوميات الثورة وتطورات الأحداث. ويبدوأن عضوالانتقالي كان قد حسم الأمر وأراد أن ألا تعود ليبَيا إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة وفق آخر مَا انتهت إليه فِي 31 أغسطس عام 1969م ولكن إِلى (الجمهوريّة) التي أعلنها القذّافي بعْد انقلابه المشئوم وقبل أن تتحول إِلى (جماهيريّة) فِي الثّاني من مارس / آذار 1977م فيما عُرف بوثيقة إعلان ما يسمّى بقيام سلطة الشّعب.
وفِي خطاب التَّحرير، وقف المُستشار مُصْطفى عبْدالجليل رئيس المجلس الوطنيّ الانتقالي مخاطباً الِلّيبيّين فِي تلك اللحظة التّاريخيّة، فتجاهل تاريخ ليبَيا وصانعي دولتها، وتجاوز مسألة بناء الدولة والتحديات التي تواجهها، داعياً الرجال بألا يسلموا على بعضهم بالخد معتبراً ذلك سلام نساء لا رجال !.. ودعاهم إِلى الزواج بأربع نساء لحل مشكلة العنوسة وكأن ثورة السّابع عشر مِن فبراير قامت مِن أجل تعدد الزوجات لا مِن أجل إنهاء القمع والتسلط والاستبداد وفق شعارها الّذِي جابت به شوارع ليبَيا وميادينها القائل: (الشّعب يريد إسقاط النَّظام).
وَفِي نفس السّياق، رأينا صمتاً مُعيباً مُريباً مِن المجلس الوطنيّ الانتقالي ومِن بعده المؤتمر الوطنيّ العامّ، إزاء حذف فقرة جوهريّة أساسيّة فِي النشيد الوطنيّ المجيد والتي ذُكر فيه اسم ملك البلاد إدْريْس السّنوُسي موحد ليبَيا وقائد جهادها وصانع استقلالها. وهذا الأمرُ يُعد تزويراً فاضحاً وفعلاً أقرب إِلى فعل الانقلابيين منه إِلى فعل الثوار الّذِين يفترض أنهم ثاروا مِن أجل الحق والعدل ورد الحُقُوق إِلى أصحابها.
والمُحزن أكثر أن المجلس الوطنيّ الانتقالي برئاسة المُستشار مُصْطفى عبْدالجليل والمؤتمر الوطنيّ العامّ برئاسة الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف ثمّ نوري أبوسهمين الّذِي تولى رئاسة المؤتمر فِي 24 يونيو/ تموز 2013م، لم يقم أيّ منهم بإلغاء الحكم الصّادر عَن المحكمة العسّكريّة الاستثنائيّة غير الشّرعيّة التي سميت وقتئذ بـ(محكمة الشّعب) فِي مطلع عَام 1971م، بحق المَلِك إدْريْس والملكة فاطمة الشفاء، والقاضي بإعدام المَلِك إدْريْس رمياً بالرصاص ومصادرة أملاكه، وسجن فاطمة الشفاء لمدة خمس سنوات ومصادرة أملاكها.
وَمِن المُحزن أيْضاً أن بعض أعضاء الهيئة المنوط بها إعداد دستور ليبَيا المسماة بـ(الهيئة التأسيسيّة لصياغة الدستور) المعروفة باسم (لجنة الستين)، يرى أن علم الإستقلال المكّون مِن ثلاثة ألوان الأحمر والأسود والأخضر، ويتوسطه هلال الفجر ونجمةُ خماسيّة، لا يمكن القبول به بحجة اعتماد المجلس الوطنيّ الانتقالي له ولابُدّ مِن استبداله لأنّه لا يمثل كلّ الِلّيبيّين بل يمثل أسرة وعهداً !.
استبدل الانقلابيّون (علم الاستقلال) بالعلم الجمهوري الجديد حينما أصدر أعضاء مجلس الإنقلاب قراراً بتاريخ 5 نوفمبر / تشربن الثّاني 1969م ينص على تغيير علم 1951م الشّرعي إِلى علم جديد يتكون مِن ثلاثة ألوان هي الأحمر والأبيض والأسود مرتبة بشكل أفقي مِن الأعلى للأسفل، واستمر العمل به حتَّى عَام 1972م. ثمّ اسُتبدل هذا العلم فِي عَام 1972م بعلم اتحاد الجمهوريّات العربيّة الّذِي ضمّ مِصْر وليبَيا وسوريا، والمكّون مِن ثلاثة ألوان هي الأحمر والأبيض والأسود مرتبة بشكل أفقي مِن الأعلى للأسفل، ويتوسطه صقر قريش، وبقى العلم الموحد لهذه الدول حتَّى 19 نوفمبر / تشرين الثّاني 1977م، فبعد زيارة الرئيس أنور السّادات فِي التاريخ المذكور إِلى القدس، أصدر القذّافي أوامره بحرق هذا العلم فِي الشوارع علناً بما فِي ذلك إلى سفاراته بجميع أنحاء العالم، وغيّر القذّافي علمه إِلى الرَّاية الخضراء استنكاراً لتلك الزيارة (1). والعلم الجديد عبارة عَن قطعة قماش خضراء غير منصوص على طولها وحجمها ولا منصوص على درجة اللون (درجة الاخضرار) بالإضافة إِلى أنها خالية مِن أيّ شعار. وأصبحت قطعة القماش الخضراء علماً لليبَيا مُنذ نوفمبر / تشرين الثّاني 1977م وإلى ساعة اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير / شبّاط 2011م حيث رفع الثوار علم الاستقلال فِي الساحات والميادين وجبهات القتال للدلالة على القطيعة مع نظام القذّافي والإشارة إِلى شرعيّة مَا كان سائداَ قبل الاستيلاء على السّلطة فِي الأوّل مِن سبتمبر / أيّلول 1969م، وقد اعُتمد هذا العلم مجدَّداً بنص جاء فِي الإعلان الدّستوري الصّادر عَن المجلس الوطنيّ الانتقالي فِي 3 اغسطس / أب 2011م.
وقد أخبرني أحد أعضاء هيئة الدستور بوجود رأي ضدَّ علم الاستقلال داخل الهيئة ويعمل جاهداً لإسقاطه واستبداله بعلم جديد وقد لا يتبنى هذا الرأي الرَّاية الخضراء التي يعلم مسبقاً استحالة قبولها ولكنه قد يتبنى العلم الّذِي اعتمده الانقلابيّون بموجب قرارهم الصّادر فِي 5 نوفمبر / تشرين الثّاني 1969م أوالعلم الّذِي استمر العمل به مِن عَام 1972م إِلى 1977م أثناء فترة اتحاد الجمهوريّات العربيّة المتَّحدة. ويذكر أن علم الاستقلال يمثل الشرعيّة ولا يمثل أسرةُ أوشخصاً أوعهداً، فقد صدقت عليه الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة التي ضمّت عناصر وطنيّة مثّلت جميع سكّان ليبَيا واعتمدته فِي 21 ديسمبر / كانون الأوَّل 1951م. واخُتيرت ألوانه وشكله وفق معايير معينة، وهُوعلم يمثل التاريخ الِلّيبيّ ولحظة الانتصار والشّرعيّة الدّستوريّة ولا يمثل شيئاً غير ذلك، ويعكس المكون الِلّيبيّ بإبعاده الثلاثة: الثقافي والسّياسي والنَّضالي. وألوانه الثلاثة ترمز إِلى رايات رفعتها جيوش المسلمين فِي الصدر الأوَّل للإسْلام، وإِلى كفاح الِلّيبيّين مِن أجل الإستقلال، فاللون الأسود كان راية مِن رايات السّنوُسيّة، والسّنوُسيّة كانت تمثل إقليمي برقة وفزَّان. وقد رفع المجاهدون الراية السوداء إبّان فترة الجهاد ضدَّ إيطاليا ثمّ تحولت الراية السوداء إِلى علمٍ لإمارة برقة فِي مرحلتين: الأولى فِي مرحلة الحكم الذّاتي فِي عهد الاستعمار الإيطالي (حكومة إجدابيا)، والثّانيّة حينما استقلت برقة فِي أكتوبر / تشرين الأوّل 1949م بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة أثناء حكم الإدارة البريطانيّة. وكانت الراية السوداء بالهلال والنجمة راية الجيش السّنوُسي الذي شارك مع الحلفاء فِي تحرير ليبَيا مِن المستعمر الإيطالي. أمّا اللونان الأخضر والأحمر فقد كانا مِن مكونات رايات وأعلام الإقليم الطرابلسي إبّان فترات تاريخيّة مختلفة تبدأ مِن الحكم العثماني مروراً بالحكم القره مانلي وإنتهاءً بالجمهوريّة الطرابلسيّة التي أُعلن عنها فِي عام 1918م. ويدل الهلال على الأمل والمُسْتقبل، وترمز النجمة الخماسيّة إِلى الإسْلام وقواعده الخمسة. وفي توسط هلال الفجر والنجمة الخماسيّة للّون الأسود دلالة رمزيّة تعني "بزوغ فجر الإسْلام".
وَفِي سياق متصل، أعتبر السّادة الّذِين أصدروا الدستور المُقترح فِي نهاية صيف عَام 2011م وهم: علي محَمّد الصّلابي وعلي عبْدالجواد أبوسدرة ونزار كعوان وإسماعيل القريتلي، العلم والنشيد مسألة تخضع للنظر ولا يُسلم بهما كمَا أقرتهما الجمعيّة الوطنيّة التأسيسيّة عَام 1951م، وجاء فِي المادة الرَّابعة (4) فِي الباب الأوَّل ضمن مجموعة (المبادئ الأساسيّة) فِي الدستور المُقترح، مَا يلي: يحدد بقانون علم الدولة، ونشيدها الوطنيّ، وخاتمها، وشعاراتها، وشاراتها، وأوسمتها، وأعيادها، وعطلاتها الرسمية.
وبالرَّغم مِن أن الإعلان الدستوري المُؤقت الصّادر عَن المجلس الانتقالي الوطنيّ فِي الثالث مِن أغسطس / أب ٢٠١١م، أقر بعلم الاستقلال وأكد على استمراره علماً لليبَيا فِي الدستور المرتقب إلاّ أن الشّيخ علي الصّلابي لم يعجبه ذلك فعبر عَن رأيه هذا فِي حواراته الإعلاميّة، ويُذكر أن المادة (3) مِن الإعلان الدستوري نصّت على: يكون العَلم الوطنيّ وفقاً للشكل والأبعاد الآتية: طوله ضعـف عرضه، ويُقسـم إِلى ثلاثة ألوان متـوازية: أعلاها الأحمـر، فالأسـود، فالأخضـر، على أن تكون مساحة اللون الأسود تساوي مجموع مساحة اللونين الآخرين، وأن يحتوي فِي وسطه على هلال أبيض اللون، بين طرفيه كوكب أبيض خُماسي الأشعة.
وَرُبَّمَا اسْتَطْرَدْت هُنا لأضيف مَا ذكره الصّلابي فِي أحدى حواراته التلفزيونيّة حيث ذكر أن ألوان علم الاستقلال فاقعة وغير متناسقة ولا تعجبه على المستوى الشّخصي وكأنه هُنا كان يتكلم عَن مَا يرتديه الجسد لا مَا يمثل الدولة خصوصاً علمها الّذِي يفترض أن تكون ألوانه مُلفتة للنظر وذات معنى ومَغْزَى وأن تضبط مساحاته مقاييس محددة وألوانه درجات معينة.
وبصرف النظر عَن رأي الصّلابي فإن العلم الِلّيبيّ (علم الاستقلال) يُعد مِن أجمل الرايات وأكثرها مهابة ومَا يساق للتدليل على ذلك والتأكيد عليه أن راية التَّحرر الأفريقي تتكون مِن نفس الألوان الأحمر فالأسود فالأخضر متساوية المساحات دون أيّ شعار يتوسط الأسود. وقد اتخذته بعض التنظيمات الإسْلاميّة فِي أمريكا الشماليّة راية لها مع تغيير الهلال والنجمة مِن الأبيض إِلى اللون الذهبي.
وَفِي سياق حديثنا عَن الإرث والميراث، فإن توارث العرش يستمر فِي فرع بيت صاحب السموالملكي الأمير الحسن الرَّضا وفق مَا صدر بشأن تنظيم البيت المالك فِي 20 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1954م ومَا تمّ التأكيد عليه فِي الأمر الملكي الصّادر فِي 25 نوفمبر / تشرين الثّاني 1956م، فقد جاء فِي المادة (2) من الأمر الملكي: "إﺫا تُوفى المَلِك دون ولد ذكر ولم تكن زوجه حاملاً أوكانت حاملاً ولم يتمخض الحمل عَن ولّي للعهد يعود العرش إِلى صاحب السموالملكى الأمير الحسن الرَّضا ويعتبر أصلاً يكون توارث العرش مستمراً فِى فرعه وفقاً لأحكام أمرنا بإعادة تنظيم البيت المالك الصّادر فِى ٢٠ أكتوبر / تشرين الأوَّل ١٩٥٤م". والأمير محَمّد الحسن الرَّضا هُووريث العرش بموجب الوصية التي تركها له صاحب السموالملكي الأمير الحسن الرَّضا طيب الله ثراه، الوصية التي تمّ فتحها على الملأ وفي مؤتمر صحفي نقلته الصحافة العالميّة ووسائل الإعلام المختلفة. ترك صاحب السموالملكي وصيّة لأبنائه قبل وفاته فِي المنفى بعْد سنوات مِن وفاة عمّه المَلِك إدْريْس السّنوُسي رحمه الله، وشاءت الأقدار وإرادة الله تعالى أن يتوفى المَلِك إدْريْس السّنوُسي فِي مِصْر ويدفن فِى البقيع بالمدينة المنورة، ثمّ يتمكن الأمير الحسن الرَّضا ولّي العهد بعْد سنوات طويلة مِن السجن والإقامة الجبريّة والتضييق والمنع مِن السفر، مِن مغادرة ليبَيا إِلى المملكة المتَّحدة بغرض العلاج ومعه أسرته الكريمة، وبعْد حوالي أربع سنوات مِن وصوله إِلى لندن انتقل الأمير الحسن الرَّضا إِلى رحمة الله عَن عمر يناهز الثلاثة والستين عاماً، ودُفِن بمقبرة البقيع حيث دُفن أيْضاً المَلِك إدْريْس السّنوُسي والمجاهد الكبير أحمَد الشّريف رحمهم الله وغفر لهم جميعاً. ترك الأمير الحسن الرَّضا وصية لأبنائه، وضع فيها الأمانة والمسؤوليّة فِي عنق السّيِّد محَمّد نجله الثّاني، وفتحت الوصية فِي مؤتمر صحفي عُقد فِي لندن بتاريخ 18 يونيه / حزيران 1992م حضرته الصحافة العالميّة وبعض الشخصيّات، ونقلت وقائع المؤتمر محطّة (سكاي) الفضائيّة، وقام السّيِّد المَهْدِي نجل الأمير الأكبر بقراءة الوصية.
وَالشّاهد، لوشاءت الأقدار وتُوفي الأمير الحسن الرَّضا قبل المَلِك إدْريْس لحدثت مشكلة فِي مسألة استمرار الملكية والأحقية بالعرش خصوصاً أن المَلِك إدْريْس كان يُعلم مسبقاً أنه لن يتكلم فِي مسألة العرش أويترك وصية بشأنها حيث قطع عهداً على نفسه بترك السّياسة واجتنابها مُنذ قيام انقلاب سبتمبر فلم يسجل عليه مُنذ وصوله إلى القاهرة فِي أواخر عَام 1969م حتَّى تاريخ وفاته فِي 25 مايو/ أيّار 1983م، الإدلاء بأيّ تصريح صحفي أوالحديث في السّياسة أوالتعبير عَن أسفه لفقدان السّلطة لأنّها لم تبهره يوماً ولم يشعر قط بالأسف لفقدانها. وقد شاءت الأقدار أن يتوفى المَلِك إدْريْس أولاً ثمّ يتوفى الأمير الحسن الرَّضا فِي الخارج بعيداً عَن جماهيريّة الرعب ويترك وصية لأبنائه يؤكد فيها على أنه يشعر بالمسؤوليّة الوطنيّة والتاريخيّة تجاه الأمّة الِلّيبيّة الكريمة التي منحت ثقتها لأسرته السّنوُسيّة لقيادة البلاد قبل الاستقلال وبعده. ويشعر بالواجب الشّرعي الّذِي يفرض عليه أن يضع الأمانة فِي عنق أحد أبنائه بعْد أن أرقده المرض وضعف جسده، فاختار السّيِّد محَمّد نجله الثّاني ليضع المسؤوليّة فِي عنقه. هذه الوقائع جعلت ولاية العرش محسومة ومعروفة خصوصاً أن الشخص الّذِي وضعت الأمانة فِي عنقه، فُتِحَت وصية والده فِي حضور أشقائه المَهْدِي وخالد وأشرف وجلال فِي مؤتمر صحفي عُقِد فِي لندن ونقلت وقائعه وسائل الإعلام المختلفة.
وَمُؤكداً، العودة إِلى دستور 1951م ممكنة وليست مستحيلة حيث عادت إسبانيا الملكيّة بعْد كارثة الحرب الأهليّة، وقد صاغ الأستاذ سمير أحمَد الشّارف أحد الخبراء الِلّيبيّين الدستوريين خريطة طريق قدمها إِلى الأمم المتَّحدة بواسطة ناشطة ليبيّة فِي مؤسسات المجتمع كانت مكّونة مِن عشر نقاط تكفل الانتقال السلس إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة وفق آخر مَا انتهت إليه فِي 31 أغسطس / أب 1969م. ويُذكر أيْضاً أن الشّارف ومجموعة مِن الشخصيّات الوطنيّة تقدموا فِي السّابع مِن أغسطس / أب 2013م بمبادرة محددة النقاط واضحة المعالم لاستئناف الحياة الدّستوريّة أسموها (المبادرة الوطنيّة لعودة الشّرعيّة الدّستوريّة)، وتحمّل هؤلاء المبادرون (2) مسؤوليّة الخطّوة الأولى فِي اتجاه العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة والانتقال السلس إلى دولة المؤسسات الآمنة، ثمّ تعهدوا بالسعي الجاد للوصول إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة المتمثلة فِي دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة. وارتكزت فكرة المبادرة على المادة رقم (52) مِن دستور دولة الاستقلال والتي تؤدي بعْد جملة مِن الخطوات إِلى طرح مسألة شكل نظام الحكم على الأمّة فِي استفتاء عَام (3)، فإذا اسفرت النتيجة باختيار الملكيّة الدّستوريّة، تدعوالحكومة المؤقتة الأمير محَمّد الحسن وريث العرش، لقسم اليمين الدّستوريّة وفقاً للدستور أمام البرلمان، ويمارس سلطاته، بعْد إجراء التعديلات اللازمة عليها، لتتوافق مع السّلطاتِ التي تُخوّل للمَلِك فِي النَّظام الملكي الدّستوري. أمّا إذا أسفرت نتيجة الاستفتاء عَن اختيار شكل الحكم الجمهوري، يقوم البرلمان بتعديل الدستور بما يتوافق مع نظام الحكم الجمهوري، مع بقائه دستوراً للدولة ضامناً لتواصل الأجيال (4).
إذن الوريث معروف ومعلوم ولا خلاف حول هذه المسألة، والوريث يرى أن الدّستور الِلّيبيّ دستور صنعته إرادة الأمـّة ولم تصنعه إرادة الدولة أيّ صدر قبل إنشاء الدولة.. وأن الملكيّة الدّستوريّة نظام تبنته الأمّة ولم تفرضه أسرة كغيرها مِن الملكيات التي عرفناها فِى العالم، ولكن أتت به الامّة عبر مبايعتها ودستورها.. وأن إمكانيّة عودة الملكيّة الدّستوريّة مِن عدمه أمر تقرره الامّة الِلّيبيّة عبر استفتاء عامّ ولا تفرض عليها. أوكمَا قال الأمير محَمّد الحسن: ".. ولدت ليبَيا مِن رحم الدستور والّذِي جاء تتويجاً لنضال سياسي خاضه الآباء المؤسسون، وعلى هذا الاساس ينبغي أن يظلّ فِى تقديرى هُوعنوان الدولة الِلّيبيّة وقاعدتها الأساس وأن تجري عليه الأمّة الملاحق التعديلية التي تراها مناسبة بحيث يظلّ الحلقة الدّستوريّة التي تربط الأجيال السّابقة واللاحقة، بدل القطيعة التي أرادها الانقلابيّون، فلا ينبغي أن نحقق لهم مَا يريدون..".
والمسألة الثّانيّة لا يقبل أن يقال فِي حق مَنْ يطالبون بالعودة إِلى شرعيّة دستور 1951م إنّهم يرفضون تعديل الدستور، فدستور 1951م يقر بالتعديل ولا يحرم المساس بمواده وقد أجريت عليه بعض التعديلات خلال عهد الاحتكام إليه أهمها التعديلات الصّادرة بتاريخ 25 إبريل / نيسان 1963م فِي القانون رقم 1 لسنة 1963م بموجب إلغاء النّظام الإتحادي الفيدرالي ونقل سلطات الولايّات إِلى الحكومة المركزيّة أيّ إِلى مجلس الوزراء. وأن الأمّة بيدها إدخال أيّ تعديل على دستورها فهي مصدر السّلطات كمَا جاء فِي المادة (40) مِن الدستور، فبإمكان الأمّة إذا مَا قررت إدخال أيّ تعديل على دستورها فلها الحق المُطلق فِي ذلك عَن طريق مجلس نوّابها، بل لها الحق حتَّى فِي تغيير الأحكام المتعلقة بشكل الدولة مِن الملكيّة مثلاً إِلى الجمهوريّة أوالعكس.
وَأَخِيْراً، العودة إِلى الملكيّة تعني العودة إلى الشّرعيّة التي اغتصبها الانقلابيّون فِي الأوَّل مِن سبتمبر / أيّلول 1969م، وهي تأكيد أيْضاً للوحدة الوطنيّة التي غدت مهددة فِي ظلّ الظروف الرَّاهنة التي تمر بها بلادنا اليوم. وتمثل عودة الملكيّة الحل والضمان لعودة الأمن والاستقرار إِلى ليبَيا، فقد كانت العائلة السّنوُسية وستبقى خيمة كبرى يستظل تحتها أبناء أقاليم البلاد الثلاث طرابلس وبرقة وفزَّان كلما اشتدت الأزمات واستفحلت، وفِي كل الأوقات.
ومِن الصعب اليوم أن تقبل الأطراف المتنازعة طرف من بينها تكون له الغلبة فيحكم، وفِي ظلّ الظروف المضطربة والأوضاع الخطيرة الرَّاهنة ستكون الملكيّة الحل الّذِي سينقذ الوطن مِن الغرق ويضمن وحدته وأمنه واستقراره، وأفضل مِن أيّ حل ونظام آخر. ولا شكّ أن الأطراف المتنازعة قد تقبل بسهولة شخصيّة مِن خارج تكتلاتها الحزبيّة والمناطقيّة والقبليّة خصوصاً إذا كانت تلك الشخصيّة دمثة الاخلاق وطيّبة المكارم تنحدر مِن أسرة كرمها الله سبحانه وتعالى وشرفها بالنسب إِلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها إرث ديني وإصلاحي، وتمتلك رصيد جهادي، ونضال وطنيّ، وتحقق على يد أحد أبنائها الإنجاز الأكبر فِي تاريخ ليبَيا ألا وهُوالاستقلال الّذِي تمّ على يد السّيِّد إدْريْس السّنوُسي قائد الجهاد والأب المؤسس للدولة الِلّيبيّة. أيْضاً الأمير محَمّد الحسن الوريث الشّرعي للحكم هُوصاحب رصيد نضالي معروف كونه اتخذ موقفاً مِن نظام معمّر القذّافي وشارك بفاعلية فِي جميع أنشطة المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارِج وحضر الاعتصامات والمظاهرات التي كانت تنظم أمام سفارات نَّظام القذّافي وبعثاته الدّبلوماسيّة فِي الخارِج كذلك شارك فِي الحوارات السّياسيّة التي بثت فِي الفضائيات العربيّة والأجنبيّة قبل ثورة السّابع عشر مِن فبراير وبعدها مبيناً حقيقة الأوضاع ومَا أل إليه حال البلاد ومدافعاً فِي الوقت نفسه عَن حُقُوق الشعب الِلّيبيّ المشروعة.
وإذا كانت السّنوُسيّة محسوبة على إقليم برقة فلا شكّ ولا ريب فِي ولاء إقليم فزَّان لها، وإذا كانت علاقة إقليم طرابلس بها مختلفة عَن إقليمي برقة وفزَّان فلا شكّ أن تأثيراتها امتدت إِلى كل غرب ليبَيا وأنّ تمركز تأثيرها فِي منطقة القبلة ومدينة مزدة تحديداً. وقد كانت السّنوُسيّة وستظل مظلة يستظل تحتها كل الِلّيبيّين ويأوى إليها كل المجتمع فِي الأزمات وكلما اشتدت الخلافات والنزاعات، لأن السّنوُسيّة لا تنتمي إِلى قبيلة أوجماعة أوحزب بل إِلى كافة أبناء الشّعب الِلّيبيّ. والأمير محَمّد الّذِي وضع والده الأمير الحسن الرَّضا الأمانة المقدسة فِي عنقه لقيادة الأمّة الِلّيبيّة وخدمتها، بإمكانه الذهاب بالتأثير السّنوُسي فِي غرب ليبَيا إِلى مَا هُوأبعد مِن ذلك بحكم أنّ عائلته محسوبة على برقة وهُومحسُوب على طرابلس حيث ولد وأقام قبل أن يخرج إِلى المنفى، وأخواله عائلة باكير مِن أكبر العائلات الطرابلسيّة، فجده هُوالشّيخ الجليل والعالم الفاضل الطاهر إبراهيم باكير (1904م - 1985م) رحمه الله سليل بيت العلم والشرف والّذِي شغل منصب والي طرابلس مِن سنة 1958م إِلى 1960م، ووزير المعارف ثمّ التربية والتعليم كذلك شغل منصب سفير ليبَيا فِي مِصْر.
ولا شكّ أنّ الأمير محَمّد الحسن الرَّضا هُوالوريث الشرعي للحكم، وبعْد خطّوة تفعيل العمل بدستور المملكة الِلّيبيّة لابُدَّ أن يكون الأمير محَمّد نقطة البداية لاستئناف الحياة الدّستوريّة التي صنعها الآباء المُؤسسون واغتصبها معمّر القذّافي بانقلابه المشئوم، وبعْد ذلك إذا اختارت الأمّة الِلّيبيّة الملكيّة نظاماً للحكم فِي استفتاء عام استمر الوريث ملكاً للبلاد وباشر مسؤوليّاته الدّستوريّة أمّا إذا اختارت النظام الجمهوري سيمتثل حتماً لإرادة الأمّة وهذا مَا أكده هُوبنفسه فِي مقابلته مع صحيفة (لافيغارو) الفرنسيّة الصّادرة بتاريخ 14 ديسمبر / كانون الأوَّل 2007م وفِي مقابلة أخرى أجراها بعد ذلك مع فضائيّة (الحرَّة) الأمريكيّة فقال فِي الأولى: ".. مسألة الحكم هي شأن الأمـّة، فإذا اختار الِلّيبيّون الملكيّة، فأنا هُنا، أمـّا إذا اختاروا خياراً أخر فسوف أحترم اختيارهم..". وأكد فِي الثانيّة: ".. إذا قرر الشّعب الِلّيبيّ أوطلب واختار أيّ نظام آخر فنحن سنحترم هذا الرأي ونلتزم به..".
ومَا يُضاف فِي هَذا السّياق، أن الأمير محَمّد الحسن الرَّضا لن يعود إِلى ليبَيا ليكون طرفاً مِن أطراف النزاع أوليعرض نفسه منافساً للآخرين لأنّه لن يتولّى العرش إلاّ بعْد موافقة الأطراف المتنازعة على تولَّيه زِمام الحكم بعد مناداة الأمّة به ومبايعته ملكاً للبلاد. هذا هُوالميراث السّنوُسي الّذِي يتمسك به الأمير محَمّد، فمصدر قوَّة عائلته كامن فِي أنّها تقف على مسافة واحدة مِن الجميع والعنوان الّذِي يأوي إليه الِلّيبيّون كلما اشتدت الأزمّة وتعاظم الخطر أوكمَا أكد الأمير الحسن الرَّضا طيب الله ثراه فِي وصيته لأبنه الأمير محَمّد فقال: ".. أعلم يا ولدي بأن عائلتنا السّنوُسيّة لا تنتمي إِلى قبيلة أوجماعة أوحزب بل إِلى كافة أبناء الشّعب الِلّيبيّ وأن أسرتنا كانت وستبقى خيمة كبرى يستظل تحتها جميع رجال ونساء ليبَيا. فإذا مَا فتح الله عليك وأختارك شعبك فإني أريدك ملكاً لكل الشّعب تحكم بالعدل والإنصاف ولا يأخذك فِي الله لومة لائم وأن تكون عوناً وملاذاً للجميع وسيفاً قاطعاً يذود عَن حمى الوطن وديار الإسْلام ومقدساته وأن تحترم جميع المواثيق والعهود المحليّة والدّوليّة..".
وَخِتامّاً، الحل يكمن فِي المناداة بالأمير محَمّد الحسن ليتولى سلطات المَلِك إِلى أن تقرر الأمّة الِلّيبيّة فِي استفتاء عامّ نظام الحكم الّذِي تختاره بحريّة وشفافيّة. فإذا مَا اختارت الأمّة الِلّيبيّة الملكيّة نظاماً، مارس المَلِك سلطاته الدّستوريّة بعْد إجراء التعديلات اللازمة على الدستور، أمّا إذا اختارت غير ذلك تضع الجهات الشّرعيّة المختصة الترتيبات اللازمة للانتقال السلس إِلى النظام الجديد.
وقد رأيت أن أشرح فكرة العودة إِلى الشرعيّة الدّستوريّة بالتفصيل والتحليل - وأن أنبه إِلى مخاطر تهدد كيان الوطن خصوصاً أن القوى المتربصة بالثورة تعمل جاهدة على ألا تصل الثورة إِلى أهدافها وغاياتها، وترسم بيدها المُسْتقبل الّذِي رفعت شعاراته وقتما اندلعت الثورة.
وكل مَا نرجوه أن نعي التَّاريخ ودروسه، ونفهم الواقع بالقراءة والتحليل والتمحيص ثمّ نختار مَا يحقق مصلحة الوطن ويحافظ على وحدته واستقراره وأمنه ويستعيد مجد ليبَيا وتاريخها العظيم بين الأمم. والله الموفِق والمُستعان.
مِرْفَق الْوَثَائِق
الوَثِيقَة الأولى: مبايعة الجمعيّة التأسيسيّة للأمير إدْريْس السّنوُسي ملكاً دستورياً للمملكة الِلّيبيّة المتَّحدة عَام 1950م، وثيقةُ منقولةُ عَن ملحق الناشر لكتاب: (المَلِك إدْريْس عاهل ليبَيا.. حيَاته وعصره)، لمؤلفه: إيريك آرمار فولي دي كاندول، الصّادر على نفقة المؤلف باللغة الإنجليزيّة عام 1988م، ونشره السّيِّد محَمّد بِن غلبون (الناشر) باللغة العربيّة بعد ترجمته، فِي عَام 1989م على نفقته الخاصّة.
الوَثِيقَة الثّانيّة: استقالة المَلِك إدْريْس السّنوُسي المبعوثة إِلى أعضاء مجلس النوّاب والشّيوخ (مجلس الأمّة) الموقعة بتاريخ 4 أغسطس / أب 1969م، وَثِيقَة نُشرت لأوَّل مرَّة فِي ملحق الناشر فِي كتاب: (المَلِك إدْريْس عاهل ليبَيا.. حيَاته وعصره)، الصّادر باللغة العربيّة فِي طبعته الأولى عَام 1989م.
الوَثِيقَة الْثَّالِثَة: أمر ملكي بتعيين ولّي العهد، وثيقةُ منقولةُ عَن صفحة (تجمع الأمير محَمّد الحسن) فِي الفيسبوك.
الوَثِيقَة الْرَّابِعَة: بلاغ من دائرة التشريفات الملكيّة بمناسبة قدوم مولود جديد لصاحب السموالملكي الأمير الحسن الرَّضا السّنوُسي، الّذِي رزق بالأمير محَمّد مساء يوم السبت 21 جمادي الأوَّل 1383 هجري الموافق 20 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1962م، وثيقةُ منقولةُ عَن موقع: (الباكور).
الوَثِيقَة الخامسة: نص وصيّة الأمير الحسن الرَّضا لأبنائه التي فُتِحت فِي مؤتمر صحفي عُقد فِي لندن بتاريخ 18 يونيه / حزيران 1992م حضرته وسائل الإعلام المختلفة، وَثِيقَة منقولةُ عَن موقع: (المنارة) فِي الشبكة العنكبوتيّة العالميّة.
مِرْفَق الصُّوَر
الصُّوَرَة الأوْلَى: صورة المَلِك ادْريْس السّنوُسي مع ولّي العهد الأمير الحسن الرَّضا داخل السيارة، وهي مِن أرشيف الحاج عبْدالرَّحيم مفتاح بوشاح، منشورة فِي صفحة: (حراك العودة للشّرعيّة الدّستوريّة - الجبل الأخضر) على الفيسبوك.
الصُّوَرَة الثّانِيَة: صورة المَلِك ادْريْس السّنوُسي، سبق نشرها فِي الشبكة العنكبوتيّة العالميّة.
الصُّوَرَة الْثَّالِثَة: صورة تُنشر لأوَّل مرَّة لصاحب السموالملكي الأمير الحسن الرَّضا أثناء دراسته فِي الأزهر الشريف، أخذت فِي مصوراتي بدر فِي القاهرة.
الصُّوَرَة الْرَّابِعَة: صورة الأمير محَمّد الحسن السّنوُسي منشورة فِي صفحة: (حراك العودة للشرعية الدستورية - الجبل الأخضر ) على الفيسبوك.
الصُّوَرَة الخامسة: صورة الأمير محَمّد الحسن السّنوُسي فِي إحدى مظاهرات المُعارضين بالخارج، سبق نشرها فِي موقع: (ليبَيا المُسْتقبل)، الصُّوَرَة نُشرت ضمن ترجمة الحوار الّذِي أجرته (كلاسكامبن) النرويجية مع سموالأمير فِي سبتمبر / أيّلول 2005م، وأخذت بعدسة الأستاذ عُمر الهوني وتمّ نشرها فِي موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) بتاريخ 23 سبتمبر / أيّلول 2005م.
مُلاحَظَات وَإِشَارَات
1) العلم فِي ليبَيا: اعتمدت فيما ورد عَن العلم فِي الفقرة أعلى الصفحة على مَا جاء عَن تاريخ العلم فِي ليبَيا فِي الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) فِي الشبكة العنكبوتية العالميّة، ولمعرفة المزيد مِن التفاصيل يرجى الرجوع إِلى الموسوعة المذكورة.
2) الأسماء التي طرحت مبادرة العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة: صدرت المبادرة بأسماء السّادة: إبريك عبْدالقادر اسويسي، فتحي عبدالله سكته، سمير أحمَد الشّارف، عبْدالمنصف حافظ البوري، إبراهيم موسى قرادة، عبْدالباسط عبْدالقادر البدري، محي الدّين محمود الكريكشي، محَمّد إبراهيم القلالي، علي أحمد الصالحي.
3) الخطوات التي تؤدي إِلى العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة: شُرحت فِي فقرة مِن المبادرة الدعائم الأساسيّة التي قامت عليها فكرتها ثمّ قدمت ستة نقاط كخارطة طريق للوصول إلى دولة الاستقلال الثانية، لمعرفة المزيد من التفاصيل برجاء الرجوع إِلى المبادرة الوطنيّة لعودة الشّرعيّة الدّستوريّة المنشورة فِي صفحة: (ليبَيا الدّيمقراطيّة الليبرالية) فِي الفيسبوك، المنشورة بتاريخ 7 أغسطس / أب 2013م.
4) مرتكزات فكرة العودة إِلى الشّرعيّة الدّستوريّة: نقلت المرتكزات التي بنيت على أسسها المبادرة مِن نص المبادرة نفسها، المنشور فِي شهر أغسطس / أب 2013م فِي موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) و(ليبَيا الدّيمقراطيّة الليبرالية) فِي صفحات الفيسبوك.
مصَادِر وَمَرَاجِع
1) حوار مع الأمير محَمّد الحسن الرَّضا السّنوُسي - الحوار أجراه الأستاذ أبوبكر الشكري لصالح صحيفة: (الكلمة) المنشور فِي العدد رقم: (66) والصّادر بتاريخ 24 رمضان 1433 هجري الموافق 12 أغسطس / أب 2012م.
2) المؤلف - مقالة: (فِي الذّكرى الثلاثين لرحيل سَلِيل الفاتِحين المَلِك إدْريْس المَهْدِي السّنوُسيّ فِي ذكرى وفاته) جريدة الكلمة وموقع ليبيا المستقبل نهاية مايو/ أيّار 2013م.
3) المؤلف - الجزء الأوَّل مِن سلسلة: (في السّياسَة والتّاريخ / المَلِك.. العقيد.. المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارِج) - موقع (ليبَيا المُسْتقبل) يونيه / حزيران 2003م.
4) موقع الاتحاد الدّستوري الليبي - ما جاء تحت عنوان: (البيان التأسيسي) و(فكرة وأهداف الاتحاد) - الشبكة العنكبوتية العالميّة.
5) مِن أوراق المُؤتمر الوطنيّ للمُعارضة الِلّيبيّة - موقع: (المُؤتمر الوطنيّ للمُعارضة الِلّيبيّة) فِي الشبكة العنكبوتية العالميّة.
6) المؤلف - الجزء الثّاني مِن سلسلة: (في السّياسَة والتّاريخ / المَلِك.. العقيد.. المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارِج) - موقع (ليبَيا المُسْتقبل) مايو/ أيار 2006م.
7) الأستاذ سمير أحمَد الشّارف - مقالة: (الظروف السّياسيّة الرّاهنة.. المبادرة الوطنيّة لعودة الشّرعيّة الدّستوريّة واستئناف العمل بدستور دولة الاستقلال)، مدونة (شؤون ليبيّة) بتاريخ 24 يوليو/ تموز 2013م.
8) علم ليبَيا - المعلومات الواردة عَن تاريخ الأعلام الِلّيبيّة فِي المُوسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) فِي الشبكة العنكبوتية العالميّة.
9) المبادرة الوطنية لعودة الشّرعيّة الدّستوريّة - موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) و(ليبَيا الدّيمقراطيّة الليبرالية) فِي صفحات الفيسبوك، والمنشورة بتاريخ 7 أغسطس / أب 2013م.
10) مجلّة الانقاذ - مقالة: (العلم) - مجلّة (الإنقاذ) الصّادرة عَن (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) العدد الخاصّ رقم: (39) السنة العاشرة، الصّادر بتاريخ جمادي الآخر 1312 هجري الموافق ديسمبر / كانون الأوَّل 1991م.
11) الأستاذ عمر الكدي - مقالة: (العودة إِلى الملكيّة عودة إِلى بصيرة بشير السعداوي) - موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) بتاريخ 7 أبريل / نيسان 2014م.
12) الأستاذ مشاري الذايدي - مقالة: (عودة المَلِك السّنوُسي) صحيفة: (الشّرق الأوسط)، العدد (12903) الصّادر يوم الخميـس 26 جمـادى الاولى 1435 هجري الموافق 27 مارس 2014م.
كلام واضح مكتوب بعناية ورؤية وعلميه ووطنيه . أرى أن أن الليبين قد وعوا الآن خطورة وجود مجموعات ومليشيات مسلحة أهدرت قدرات بناء الجيش والدولة والنظام الديمقراطي والحقوقي…...
…...
...