ما هو الفرق بين سائق يركب سيارة، وفارس يركب حصانا؟
الفرق في نظري زمني فقط، أي أن السائق الذي يركب سيارة، قد يتحول إلى فارس يركب حصانا، في لحظة وجيزة، والعكس صحيح، أي أنّ الفارس الذي يركب حصانا، قد يتحوّل إلى سائق يركب سيارة، بكل هدوء ودون أي مقدّمات أو إنذارات.
كيف يحدث ذلك؟
لنفترض أنك تركب سيارتك، وتقودها على طريق أسفلت تسير فيه السيارات على اليمين في الاتجاه الذي تسير فيه أنت بسيارتك، وطبعا سيارات أخرى تسير في الاتجاه المعاكس. وعلى بعد، تستطيع أن ترى إشارة المرور الخضراء تتحول إلى اشارة حمراء، وتبدأ العد: 99، 98، 97... وطبعا لن تتوقف حتى تصل الى رقم 1.
تـُوقف أنت سيارتك ويوقف الآخرون سياراتهم، والأرقام مستمرة في الهبوط... 25، 24، 23... كل شيء على ما يرام، وكل السائقين ينتظرون أن يصل عد اشارة المرور الى الرقم 1... لتتغير الاشارة الى اللون الاخضر وتتحرك السيارات.
فيما يستمر عد رقم اشارة المرور، تنظر الى يمينك والى يسارك، فترى على جانبي الطريق رصيف من الاسمنت على اليمين ورصيف من الاسمنت على اليسار، ووراء هذا الرصيف وذاك، مساحات من الأرض المتربة، بها حفر كثيرة، ولكنها مساحات واسعة جدا، وخالية الا من بعض المارّة الذين يسيرون فيها على غير هدى، واحيانا واحد منهم يمر أمامك متجها إلى الضفة الأخرى.
وفي هذه اللحظة، يتبادر الى ذهنك سؤال: لماذا أسير بسيارتي في طريق الاسفلت المحدود وأضطرّ لإنتظار أن تتغير اشارة المرور من اللون الأحمر إلى الأخضر... بينما الرصيف الاسمنتي على جانبي الطريق خالي، وكذا مساحات الأرض الواسعة المتربة على جانبي الرصيف هي أيضا خالية؟
وتنظر الى رقم اشارة المرور الحمراء 3، 2، 1... وتقول في نفسك: الآن سيتحول لون الاشارة الى اللون الأخضر، وتستعد لأن تتحرك السيارات التي أمامك لتتحرك أنت بسيارتك، ولكن يحدث ما لم يكن في الحسبان، الاشارة الحمراء لا تتحول إلى خضراء، بل تبدأ في العد من جديد، أرقام حمراء، 99، 98، 97.
وهنا، أنت وكثير من السائقين حواليك، تتحولون من سائقين يركبون سيارات، إلى فرسان يركبون أحصنه... هكذا تخرج من طريق الاسفلت، وتسير بسيارتك على الرصيف... ثم تنزل بسيارتك من على الرصيف وتسير بها بسرعة على مساحات الأرض الواسعة المتربة... ويتصاعد الغبار.
أنت الآن حرّ... لا اسفلت ولا رصيف ولا اشارات مرور ولا ارقام حمراء... أنت الآن لم تعد سائقا يقود سيارة بل فارسا يقود حصانا... ولا ينقصك الا مجموعة من النسوة "يزغرتن"، وشخص يقول بصوت مرتفع: "حسّ عالخيل حسّ"... بل تسمع بالفعل صوت "زغروته"، وصوت شخص يقول بصوت مرتفع: "حس عالخيل حس".
وتمتليء نفسك بالبطولة، بطولة الفارس الذي ليس لديه وقت يضيّعه في انتظار أن تتغير اشارة المرور من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر... وتحس بحماس الفرسان الأبطال يتدفق في شرايينك، وتنسى عالم السيارات واشارات المرور والأرصفة... أنت الآن لا يقف أمام حصانك ـ قصدي سيارتك ـ شيء.
وترى أمامك وخلفك وعلى يمينك وعلى بسارك السائقين الآخرين الذين تحولوا هم أيضا إلى فرسان ... عشرات بل مئات الفرسان على أحصنة ـ قصدي سيارات ـ مختلفة الألوان والأحجام والموديلات... يسيرون بسياراتهم ـ أقصد أحصنتهم ـ في كل اتجاه، بالطول وبالعرض، الى الامام والى الخلف.
أنت الآن فارس لا يلوي على شيء، ولا يمنعه مانع من الوصول الى هدفه.
ثم فجأة يحدث أمر عجيب... تتوقف زغاريت النسوة في رأسك... ويتوقف الصوت الذي كنت تسمعه بكل وضوح يقول: "حسّ عالخيل حسّ"... وترى نفسك بكل هدوء تخلع عنك ثوب الفارس... وكأنك تذكرت أنك في الزمن الخطأ... في زمن غير زمن الفرسان والأحصنة... وتعود بسيارتك دون انذار الى الرصيف.
تسير بسيارتك على الرصيف قليلا ... ثم بكل هدوء تدخل بسيارتك الى طريق الاسفلت، وترى الفرسان الآخرون هم أيضاً تتحول أحصنتهم الى سيارات، ويعودون بسياراتهم الى طريق الاسفلت... وترى الفارس الذي أمامك الآن على طريق الاسفلت ـ والذي كان لا يلوي على شيء في الحفر خارج الطريق ـ يتوقف عند المطب الصغير ويمرّ عليه بسيارته ببطء شديد.
وتنظر وينظر جميع السائفين أمامك وخلفك وعلى يمينك وعلى يسارك، تنظرون الى اشارة المرور... وتفاجئون بأنها لم تتحول من حمراء الى خضراء، بل تستمر حمراء وتبدأ الأرقام من جديد... 99، 98، 97... وهنا... تسمع "زغروته"... "زغروتين"... "ثلاث زغاريت"... ثم تسمع صوت في داخلك يقول: "حسّ عالخيل حسّ"... فتندفع بحصانك ـ قصدي سيارتك ـ الى الرصيف، ثم الى مساحات الأرض الواسعة المتربه، وتضرب حصانك ـ قصدي سيارتك ـ بالسوط، وتدور بنجاح منقطع النظير حول تقاطع الطريق الذي به اشارة المرور.
لقد نجحت في الوصول بحصانك ـ قصدي سيارتك ـ الى الجانب الآخر من الطريق، دون أن تنتظر الى أن تتحول الاشارة الحمراء الى خضراء.
وفيما تخلع عنك ثوب الفارس، وتدخل بسيارتك الى طريق الاسفلت من جديد... تقف بسيارتك عند مطبّ صغير... ثم تمرّ عليه ببطء شديد!!
...