ابراهيم اغنيوه: فرسان في الزمن الخطأ 17/3/2015 18:32 ابراهيم اغنيوه: فرسان في الزمن الخطأ
ابراهيم اغنيوه بحث

ما هو الفرق بين سائق يركب سيارة، وفارس يركب حصانا؟

الفرق في نظري زمني فقط، أي أن السائق الذي يركب سيارة، قد يتحول إلى فارس يركب حصانا، في لحظة وجيزة، والعكس صحيح، أي أنّ الفارس الذي يركب حصانا، قد يتحوّل إلى سائق يركب سيارة، بكل هدوء ودون أي مقدّمات أو إنذارات.

كيف يحدث ذلك؟

لنفترض أنك تركب سيارتك، وتقودها على طريق أسفلت تسير فيه السيارات على اليمين في الاتجاه الذي تسير فيه أنت بسيارتك، وطبعا سيارات أخرى تسير في الاتجاه المعاكس. وعلى بعد، تستطيع أن ترى إشارة المرور الخضراء تتحول إلى اشارة حمراء، وتبدأ العد: 99، 98، 97... وطبعا لن تتوقف حتى تصل الى رقم 1.

تـُوقف أنت سيارتك ويوقف الآخرون سياراتهم، والأرقام مستمرة في الهبوط... 25، 24، 23... كل شيء على ما يرام، وكل السائقين ينتظرون أن يصل عد اشارة المرور الى الرقم 1... لتتغير الاشارة الى اللون الاخضر وتتحرك السيارات. 

فيما يستمر عد رقم اشارة المرور، تنظر الى يمينك والى يسارك، فترى على جانبي الطريق رصيف من الاسمنت على اليمين ورصيف من الاسمنت على اليسار، ووراء هذا الرصيف وذاك، مساحات من الأرض المتربة، بها حفر كثيرة، ولكنها مساحات واسعة جدا، وخالية الا من بعض المارّة الذين يسيرون فيها على غير هدى، واحيانا واحد منهم يمر أمامك متجها إلى الضفة الأخرى.

وفي هذه اللحظة، يتبادر الى ذهنك سؤال: لماذا أسير بسيارتي في طريق الاسفلت المحدود وأضطرّ لإنتظار أن تتغير اشارة المرور من اللون الأحمر إلى الأخضر... بينما الرصيف الاسمنتي على جانبي الطريق خالي، وكذا مساحات الأرض الواسعة المتربة على جانبي الرصيف هي أيضا خالية؟

وتنظر الى رقم اشارة المرور الحمراء 3، 2، 1... وتقول في نفسك: الآن سيتحول لون الاشارة الى اللون الأخضر، وتستعد لأن تتحرك السيارات التي أمامك لتتحرك أنت بسيارتك، ولكن يحدث ما لم يكن في الحسبان، الاشارة الحمراء لا تتحول إلى خضراء، بل تبدأ في العد من جديد، أرقام حمراء، 99، 98، 97.

وهنا، أنت وكثير من السائقين حواليك، تتحولون من سائقين يركبون سيارات، إلى فرسان يركبون أحصنه... هكذا تخرج من طريق الاسفلت، وتسير بسيارتك على الرصيف... ثم تنزل بسيارتك من على الرصيف وتسير بها بسرعة على مساحات الأرض الواسعة المتربة... ويتصاعد الغبار.

أنت الآن حرّ... لا اسفلت ولا رصيف ولا اشارات مرور ولا ارقام حمراء... أنت الآن لم تعد سائقا يقود سيارة بل فارسا يقود حصانا... ولا ينقصك الا مجموعة من النسوة "يزغرتن"، وشخص يقول بصوت مرتفع: "حسّ عالخيل حسّ"... بل تسمع بالفعل صوت "زغروته"، وصوت شخص يقول بصوت مرتفع: "حس عالخيل حس".

وتمتليء نفسك بالبطولة، بطولة الفارس الذي ليس لديه وقت يضيّعه في انتظار أن تتغير اشارة المرور من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر... وتحس بحماس الفرسان الأبطال يتدفق في شرايينك، وتنسى عالم السيارات واشارات المرور والأرصفة... أنت الآن لا يقف أمام حصانك ـ قصدي سيارتك ـ شيء.

وترى أمامك وخلفك وعلى يمينك وعلى بسارك السائقين الآخرين الذين تحولوا هم أيضا إلى فرسان ... عشرات بل مئات الفرسان على أحصنة ـ قصدي سيارات ـ مختلفة الألوان والأحجام والموديلات... يسيرون بسياراتهم ـ أقصد أحصنتهم ـ في كل اتجاه، بالطول وبالعرض، الى الامام والى الخلف.

أنت الآن فارس لا يلوي على شيء، ولا يمنعه مانع من الوصول الى هدفه.

ثم فجأة يحدث أمر عجيب... تتوقف زغاريت النسوة في رأسك... ويتوقف الصوت الذي كنت تسمعه بكل وضوح يقول: "حسّ عالخيل حسّ"... وترى نفسك بكل هدوء تخلع عنك ثوب الفارس... وكأنك تذكرت أنك في الزمن الخطأ... في زمن غير زمن الفرسان والأحصنة... وتعود بسيارتك دون انذار الى الرصيف.

تسير بسيارتك على الرصيف قليلا ... ثم بكل هدوء تدخل بسيارتك الى طريق الاسفلت، وترى الفرسان الآخرون هم أيضاً تتحول أحصنتهم الى سيارات، ويعودون بسياراتهم الى طريق الاسفلت... وترى الفارس الذي أمامك الآن على طريق الاسفلت ـ والذي كان لا يلوي على شيء في الحفر خارج الطريق ـ يتوقف عند المطب الصغير ويمرّ عليه بسيارته ببطء شديد.

وتنظر وينظر جميع السائفين أمامك وخلفك وعلى يمينك وعلى يسارك، تنظرون الى اشارة المرور... وتفاجئون بأنها لم تتحول من حمراء الى خضراء، بل تستمر حمراء وتبدأ الأرقام من جديد... 99، 98، 97... وهنا... تسمع "زغروته"... "زغروتين"... "ثلاث زغاريت"... ثم تسمع صوت في داخلك يقول: "حسّ عالخيل حسّ"... فتندفع بحصانك ـ قصدي سيارتك ـ الى الرصيف، ثم الى مساحات الأرض الواسعة المتربه، وتضرب حصانك ـ قصدي سيارتك ـ بالسوط، وتدور بنجاح منقطع النظير حول تقاطع الطريق الذي به اشارة المرور.

لقد نجحت في الوصول بحصانك ـ قصدي سيارتك ـ الى الجانب الآخر من الطريق، دون أن تنتظر الى أن تتحول الاشارة الحمراء الى خضراء.

وفيما تخلع عنك ثوب الفارس، وتدخل بسيارتك الى طريق الاسفلت من جديد... تقف بسيارتك عند مطبّ صغير... ثم تمرّ عليه ببطء شديد!!

ابراهيم اغنيوه

 


إضغط هنا لمراجعة التعليمات الخاصة بتعليقات القراء

إضغط هنا للتعليق على الموضوع
Reader's Comments
ابراهيم لغنيوه
الشكر الجزيل للجميع على نعليقاتهم المفيدة ... تحياتي وسلامي ... ابراهيم...
التكملة
لبن به زبد
اذا لم تخني الذاكرة ان السيدة نبيلة ميزران هي زوجة السيد قدري الخوجة...السيد قدري الخوجة كان رئيسآ لجمعية ابن خلدون والجمعية متمتلة في اعضاءها والسيد قدري كان لهم الدور الكبير…...
التكملة
لبن به زبدة
هي قصة رمزية ولكنها لا تعبر عن مقصد ابتغاه الماتب.....اولا الكاتب اخطأ بوصف الفارس..الفارس ليس من يركب فرسآ اة حصانآ...الكثير من البشر يركبون الخيل ولكنهم غير فرسان ..الفارس من يقود…...
التكملة
Ibn Al-Shati
Some people born to split the atom… Some born to compose music… Some people born to steal the fortune…. But you“ Ibrahim“ were born to be the faithful son of…...
التكملة
Benghazine
It is so good to see you again. You were missed since "Libya Wattanna". Keep up with the good work. Mnawer Ya Rhoma. My very best wishes for you always...
التكملة
عبداللطيف شهوب
دكتور ابراهيم أنت دائما نبراس الأمل لقد فقدناك هنا في جنوب كاليفورنيا اخر مرة شوفتك فيها كانت فى سنة 2013 في ميدان الشجرة في زيارتي لبنغازي قادم من طرابلس يبلغونك السلام…...
التكملة
بن زكري
هو الا بداع! يرسم الكاتب صورة أدبية جميلة.. في شكل مقالة راي، أو هي مقالة رأي.. في بنية صورة أدبية جميلة، بتدفق تعبيري رائق وراقٍ، تنطاع له الكلمات لتتراصف وتتداخل…...
التكملة
Hesham
Libya our home was like our window to see the beloved Libya. Happy to see you again striving with your pen...
التكملة
معارضة مخضرمة
أولا أثني على كلام السيدة نبيلة ميزران. ثانيا مالم يصرح به السرد هو أن الصورة القصصية إنما تسلط الضوء على هذه البداوة الفجة التي نعيشها جميعا في الصحراء والقرية والمدينة، ذلك…...
التكملة
يونس الهمالي بنينه
الإشارة الحمراء يتحكم فيها حاكم مقيت يمنع الليبيين من بناء الوطن.. يقفل طريق الفرسان الليبيين بوضع اصبعه على الإشارة الحمراء ظلماً .. وأخيراً وبعد انتظار طويل يخرج الليبيون (الفرسان) عن…...
التكملة
Al Rujbani
Dr. Ibrahim, nice to hear from you again. During my long years in Canada, I never had my morning coffee without checking out "Libya our home".. good old days. I…...
التكملة
al_'eryan
Ustad Ibrahim, your name has been synonyms, among many of us, with hope and promise and will always be. Great to see you upright and kicking… Please make your visits…...
التكملة
ابوخالد
نقدر اجتهادك... اغلب من احتضنتهم ضيافة الغرب هم... غايتهم طبيعة البشر وليس مبادي... تسارعو لتظليل المواطن بشطارتهم فحرقو ونهبو واسباحو بغديعة الغرب ..كل من تخلى عن اهلة قادر ان يتخلى…...
التكملة
Libyano
This man is what real men are made of..We miss you doc.Libya needs people like you .regards from AZ...
التكملة
نبيلة احمد ميزران
اخي لك احترامي وتقديري لقد كنت معارضة وجبهة لحالك في مقارعة النظام المتهالك انك فارس و رايد الاعلام لكل الليبين في الغربة فكانت صحيفة ليبيا وطننا بصيص الأمل والنور في…...
التكملة
المستعين بالله
بسم الله الرحمن الرحيم... الاستاذ ابراهيم اغنيوه - نعم صدقت فرسان في الزمن الخطاء واسمح لي ان اضيف هم في المكان الخطاء... ليس كل رجل فارس و لكن كل فارس سائق…...
التكملة
سليمان الدرفيلي
اخي ابراهيم فعلا شئ جمبل ان نسمع هذه الاصوات المنصفه تعود الي نضال الكلمه وانت رائدها مزيد من العطاء والانصاف...
التكملة
Libyan
Libya Watanona was a breath of fresh air when our lives were polluted by the revolting odour of G & Co. Thank you Dr Ibrahim. As your fans said below:…...
التكملة
ABDUAL.SEATTLE
Hello Dr. Ibrahim... It is so good to see you writing again... We miss Libya Our Home
...
التكملة
Simafro
Dr.Ibrahlm....long time no see, thanks for stopping by...and you'll comeback you hear...
التكملة
الخالدى
لم اعرف مربط الفرس. ماهوى ييت القصيد؟...
التكملة
سالم
تحية للدكتور ابراهيم غنيوة رائد الاعلام "المهجري" مؤسس اول صحيفة الكترونية ليبية معارضة "ليبيا وطننا"... والسجين السياسي السابق.. رائعة هذه الاطلالة عبر ليبيا المستقبل. شكرا...
التكملة
Ibrahim Albaraasi
Allah Allah.. you bring back good memories,, Libya Watanona, then with Libya-lmostakbal, good article Dr. Ibrahim.. thank you and keep it up...
التكملة
Libi Baseet
Where have you been Doc? I hope all is well, glad to have you back. Thanks...
التكملة
آشرف
كلام جميل وتشبيهات رائعة تعكس واقع مرير. شكرا للكاتب...
التكملة
عرباوى
Dr. Abrahim are you having L.A. rush hour flash backs? just jocking I got you...
التكملة