ابراهيم اغنيوه: 26/3/2015 09:31 ابراهيم اغنيوه: "الديمقراطية التوافقية"... لمن ولماذا؟ (2/1)
ابراهيم اغنيوه بحث

"الديمقراطية التوافقية"... لمن ولماذا؟ (1 من 2)
 

كثر الحديث هذه الأيام عن الديمقراطية التوافقية، وعما اذا كانت مناسبة لهذه الدولة او تلك، وفي نفس الوقت برزت انتفادات لها وتساؤلات مثل: هل "الديمقراطية التوافقية" ديمقراطية؟!.

ولقد قيل كلام وطرحت تساؤلات من هذا النوع في السابق عن الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية والديمقراطية الشعبية وغير ذلك من الديمقراطيات. وفيما استنتج البعض أنه لا وجود الا لديمقراطية واحدة بدون صفات أو إضافات، توصل البعض الآخر إلى نتيجة مفادها أن ديمقراطية مضاف اليها صفة أو صفات خير من عدم وجود ديمقراطية على الاطلاق.

فما هي "الديمقراطية التوافقية" وما الفرق بينها وبين غيرها من الديمقراطيات؟ ولمن تصلح "الديمقراطية التوافقية"، ولماذا؟

لعل الدراسة التي كتبها "د. رغيد الصلح" عن "الديمقراطية التوافقية" بتكليف من مشروع برنامج الأمم المتحدة في مجلس النواب اللبناني، والصادرة في يناير 2007م، كانت محاولة جادة قدمت ايضاحات حول الديمقراطية التوافقية عموما والديمقراطية التوافقية في لبنان على وجه الخصوص، وبالتالي أجابت عن بعض الأسئلة أعلاه.

في الجزء الأول من الدراسة، يتحدث الكاتب عن الديمقراطية التوافقية عموما، حيث يعرف الديمقراطية التوافقية بأنها نموذج يحقق الاستقرار في مجتمعات معينة ـ مثال: مجتمعات بها طوائف ولا تستطيع طائفة منها الحصول على الأغلبية اللازمة في الديمقراطية الكلاسيكية المتعارف عليها ـ. وتهدف الديمقراطية التوافقية بحسب توصيف التوافقيين لها ـ ارنست ليبهارت مثلا ـ، إلى تنمية روح المساومة والاجماع بين فئات المجتمع المتعددة.

وتصلح الديمقراطية التوافقية ـ يقول د. رغيد الصلح ـ للمجتمعات التعددية التي بها انقسامات متنوعة وحادة، يعتبرها كليفورد غيرتز وليدة الولاءات الأزلية مثل الولاء لجماعة دينية أو طائفية لغوية أو عرقية أو ثقافية أو مناطقية أو قبلية.

وقد يعتقد البعض أن الديمقراطية التوافقية تصلح فقط لدول العالم الثالث، الا أن هذا غير صحيح، فهي منتشرة في أوربا (سويسرا وهولندا والنمسا مثلا) وكذلك في بعض دول آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.

ويقول الكاتب أنه في بداية تطبيق الديمقراطية في دول اوربا بعد نهضتها واجهت هذه الدول مشكلة اختلاف القوميات، وبينما قامت فرنسا سنة 1882م بفرض التعليم الالزامي لتوحيد الأمة لغة وثقافة وتاريخا (توحيد الأمة من فوق)، قامت الثورة الصناعية بدور كبير في توحيد بريطانيا ـ عبر الطباعة والطرق المعبدة ووسائل الاتصال والاسواق ـ وتذليل العقبات الناشئة عن الفروقات بين فئات الوطن المختلفة، ونجحت "ديمقراطية وستمنستر" وحذا حذوها عدد من الدول القومية.

لجأت بعض دول العالم الثالث ـ يقول الكاتب ـ الى الانقلابات والحكم الدكتاتوري كبديل للديمقراطية الكلاسيكية ـ ديمقراطية وستمنستر ـ التي لم تنجح نتيجة للانقسامات الحادة في المجتمع، بيد أن فريقا من علماء الاجتماع وفي مقدمتهم ارنست ليبهارت تبنى مقاربة مختلفة في معالجة المشكلة ـ التوافق ـ، وقد لاحظ ايفود دوتشاسك بأنه من أصل 150 دولة في العالم، كانت هناك 10 دول فقط يمكن أن يطبق عليها المفهوم الأوربي للدولة القومية ـ حيث يمكن تطبيق ديمقراطية وستمنستر دون تعديل ـ.

ماهي العوامل التي أمنت قيام الديمقراطية التوافقية واستمرارها وتطورها؟... يجيب الكاتب على هذا السؤال بأن هذه العوامل تتمحور حول نمطين إثنين هما:

أولاً/ البني الاجتماعية والوقائع الموضوعية، ويمكن اختصارها بأربعة رئيسية هي:

أ. حجم الدول، ففرص قيام الديمقراطية التوافقية في الدول الصغيرة ـ كما في حالة لبنان مثلا ـ أكبر من فرص قيامها في دول كبيرة.

ب. التحدي الخارجي، حيث يشعر قادة الدول الصغرى ـ كما في حالة النمسا مثلا ـ بحاجتهم للتوافق أكثر من حاجة قادة الدول الكبيرة في مواجهة التحدي الخارجي.

جـ. ميزان القوى، فالتوازن النسبي بين الجماعات التي تضمها الدولة الواحدة يوفر فرصة أفضل لقيام الديمقراطية التوافقية من غياب مثل هذا التوازن. ولا يقصد بالتوازن هنا التوازن الديمغرافي ـ السكاني ـ فقط، ولكن ذلك يشمل سائر عناصر القوة والتأثير مثل القدرات الاقتصادية والثقافية والسياسية وحتى العسكرية. فنسبة الصينيين في ماليزيا 33% فقط، ولكن تأثيرهم أكبر من ذلك بكثير. ويرى التوافقيون ان اقتصار عدد الفئات أو الطوائف في البلد على ثلاث أو أربع هو الأفضل لنجاح النظام الديمقراطي التوافقي. وما ينطبق على الفئات والطوائف ينطبق على الأحزاب فعدد الأحزاب الأفضل هو ثلاثة أو أربعة.

د. التباينات الواضحة، حيث يعتقد الديمقراطيون التوافقيون أن وجود التباينات الواضحة بين فئات المجتمع وكثافتها وتراكمها لا يذهب بالضرورة بوحدة المجتمع والدولة ولا يقضي على فرصة تطوره الديمقراطي، بل يشجع على قيام ديمقراطية توافقية فيه. انه يخفف من شعور الغبن والاحباط والتهميش الذي يعتري بعض الفئات عندما تشعر بأن صوتها غير مسموع.

ثانياً/ الفاعل في تحقيق الديمقراطية التوافقية:

يقول الكاتب أن ليبهارت اشترط  شرطين مهمين لنجاح ما يسميه بالهندسة التوافقية:

الشرط الأول: هو توصل الجناح الحاكم والمستأثر بالسلطة الى الاقتناع بانه لم يعد يملك المسوغ والمشروعية للاستئثار بالحكم، عندها قد يتجه الحاكم الى عقد صفقة مع الاطراف الاخرى من اجل البقاء كشريك في الحكم. وهذا ما حدث في النمسا بعد الحرب العالمية الثانية.

الشرط الثاني: هو امتلاك اطراف النخبة القدرة والعزم والدوافع الكافية لبناء النظام الديمقراطي التوافقي وايمانها بمباديء وطنية تتجاوز الانقسامات الفئوية أو الطائفية. مع ملاحظة أن هذه الميزات قد تتوفر في بعض أفراد النخبة قسما من الوقت، ولكنهم يفقدونها مع استقرارهم في السلطة ومع استفحال تعلقهم بها.

وينبّه الكاتب الى ضرورة ذكر محاسن ومساؤي النخب، فيستعير من ليبهارت تنبيههه الى اربعة جوانب تؤثر على دور النخب في دول العالم الثالث، منها إثنان قد يؤثران بصورة سلبية على الدمقرطة التوافقية وهما:

الأولى/ العصرنة العشوائية وغير المتوازنة، وهي التي تفسح المجال امام الزعماء لتقديم تنازلات متبادلة للتوصل الى التحالف والتآلف. يجب أن تكون العصرنة مبنية على أسس علمية واقتناع بها من الاطراف المعنية.

الثانية/ ضعف الثقافة الديمقراطية: يرى بعض علماء الاجتماع ان الهندسة التوافقية صعبة في غياب الثقافة الديمقراطية، ويعتبرون ايضا ان هذه الظاهرة منتشرة في العالم الثالث، رغم أن ثقافات هذه الدول قد تحوي ثقافة ديمقراطية مخفية أو مهملة.

وفي الوقت الذي ينبه فيه الكاتب الى أن العاملين السابقين قد يؤثران سلبا، فانه في المقابل يقول أنه هناك عاملان يسهلان الدمقرطة التوافقية هما:

أولا/ ذكريات الكفاح المشترك ضد الاستعمار ـ أو ضد نظام حكم شمولي ـ بما كان يمثله من خطر على سائر الفئات أو أكثرها، مما يساعد على التغلب على عوامل الانقسام.

ثانيا/ الصلات الانسانية التي تربط في اكثر الحالات زعماء الدول الناشئة في العالم الثالث بعضهم ببعض. ان هذه العلاقات الاجتماعية والصلات السياسية والخلفيات الثقافية تسهم في فتح ابواب التآلف والتفاهم بينهم.

وللديمقراطية التوافقية خصائص كثيرة، يذكر مها الكاتب أربع خصائص رئيسية ـ حسب ليبهارت ـ هي الإئتلاف الكبير، والفيتو، والنسبية، والاستقلال الفئوي.

1. الإئتلاف الكبير: هذا النوع شائع في سائر الدول الديمقراطية، ففي الدول التي تتبع النظام الأكثري تلجأ الأحزاب الرئيسية الى تنفيذه في الملمات والأزمات والتحديات الخارجية.

2. الفيتو المتبادل: بحسب هذا الترتيب فان كل جماعة مشتركة في الائتلاف الوفاقي لها الحق في استخدام الفيتو. ويسمح حق الفيتو للفئات المختلفة بمنع صدور نمط معين من القرارات التي تمس المصالح الحيوية للجماعات المؤتلفة، ويجري استبعاد أداة الفيتو واللجوء للتصويت عندما يكون القرار عاما يهم الجميع. والفيتو ثلاثة أنواع، الأول فيتو غير مقنن كما في سويسرا وهولندا، وفيتو مقنن بقوانين ومواثيق كما في النمسا، وفيتو جزء منه مقنن وجزء غير مقنن كما في بلجيكا. ويعتبر نقاد الديمقراطية التوافقية أن الفيتو في الوقت الذي يحد من دكتاتورية الاغلبية فانه يفسح المجال بالمقابل امام قيام دكتاتورية الاقلية التي قد تمارس دور المعطل لسير اعمال الدولة ومشاريعها، ففي سويسرا مثلا تستطيع مقاطعة ـ كانتون ـ لا يزيد عدد سكانها عن 20% من مجموع سكان سويسرا استخدام الفيتو لمنع اقرار مشروع يفيد البلد بصورة عامة.

3. النسبية: يرى ليبهارت أعطاء نسب متساوية للفئات رغم عدم تساوي عدد أفرادها كما في بلجيكا مثلا حينما مثلت الجماعة الفرانكوفونية على نفس المستوى مع الناطقين بالهولندية رغم أن حجم الاخيرين كان أكبر من حجم الأولين. وتشمل النسبية أيضا التوزيع العادل للمناصب والمسئوليات والمنافع المادية والمعيشية والمقاعد النيابية والمناصب الوزارية، مع اشراك الفئات المؤتلفة في آليات ومواقع صنع القرار وبصورة تتناسب مع حجمها وأهميتها.

4. الاستقلال الفئوي الذاتي والفدرالية: وهو حكم الأقلية وتمتعها بتحقيق المصير والتصرف في الشئون التي تعنيها بصورة خاصة ـ حسب ليبهارت ـ، مع مشاركتها على قدر حجمها في اتخاذ القرارات التي تخص الجميع وادارة البلاد. وهناك ثلاث صيغ للفدرالية وهي:

أ. الفدرالية العشوائية: حيث ترسم الحدود الداخلية بين الكيانات بفعل المصادفات ودون تخطيط مسبق.

ب. الفدرالية الفئوية: حيث ترسم الحدود الداخلية هنا بحيث تتطابق مع توزع الفئات التي تتكون منها الفدرالية أو حتى لتشجيع البعض منها على التجمع في كيان واحد.

جـ. الفدرالية الشخصية: وهي نوع من الفدراليات حيث يعطى المواطن الحق في اختيار القومية او الجماعة الاثنية التي يرغب في الانتماء اليها، على أن تعطى الجماعة الاستقلال الذاتي في تدبير شئونها.

وفي الجزء الثاني من دراسته، يتحدث د. رغيد الصلح عن "الديمقراطية التوافقية وتطبيقاتها في لبنان"، وذلك هو موضوع الحلقة الثانية ان شاء الله.  

ابراهيم اغنيوه

 


إضغط هنا لمراجعة التعليمات الخاصة بتعليقات القراء

إضغط هنا للتعليق على الموضوع
Reader's Comments
سليمان البهيجي
اذا تم تطبيق هذه الطريقة في ليبيا فما الفائدة التي جنيناها من ثورة فبراير؟ فهده الديمقراطية التي تحكي عنها يا دكتور نفس النظام الجماهيري الذي طبقه القذافي في ليبيا! فنظام…...
التكملة
عـبـدالـواحـد مـحـمـد الـغـريـانـي - مـمـلـكـة الـسـويـد
إلـى أحـلام: (حَـتَّـى مـوقـع لـيـبـيـا الـمـسـتـقـبـل مـا عـنـدكـش فـيـه مـا تـقـولـي)!؟...
التكملة
احلام
يا ريت يا دكتور تعيد فتح موقع ليبيا وطننا...
التكملة