المُغالطات المنطقية!!
بعيدا عن المنطق الكلاسيكي المملوء بالعبارات الفلسفية المعقدة والتجريد والمعادلات، نحن في حاجة ماسة الى استخدام منطق نفهمه جميعا، بدون حاجة الى أن نكون متخصصين في الفلسفة أو الرياضيات. منطق يتلاءم مع واقع الحياة اليومي ويمكننا من فهم ما وراء ما نقرأه في الصحف والمجلات، وما نسمعه في الاذاعات، وما نشاهده في القنوات الفضائية.
ذلك المنطق هو "المنطق الشكلي أو المنطق غير الصوري" الذي استخدمه الأستاذ عادل مصطفى ـ مؤلف كتاب "المغالطات المنطقية، طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي"، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007م ـ في كشف وتجنب المغالطات المنطقية، التي تعج بها القنوات الفضائية ووسائل الاعلام الأخرى.
ويعرف المؤلف "المنطق الشكلي" بأنّه استخدام المنطق في تعرف الحجج وتحليلها وتقييمها كما ترد في سياقات الحديث العادي ومداولات الجياة اليومي، في المحادثات الشخصية والاعلانات والجدل السياسي والقضائي وفي شتى الوان التعليقات في الصحف والقنوات الفضائية والانترنت وغير ذلك من وسائل الاعلام. ويقول المؤلف ان هناك حاجة ملحة الى تطبيقه على امثلة حية ملموسة من تفكير الحياة اليومية، والتخلي عن الامثلة المصطنعة والحجج المفتعلة التي تعج بها كتب المنطق القديمة.
وتأتي الحاجة الى استعمال المنطق الشكلي ـ يقول المؤلف ـ لأنه ليس بالحق وحده نكسب جدلا او نقهر خصما او نقنع الناس، ذلك ان الحجة حين ترد في الواقع لا تاتي مجردة مصفاة ولا تكشف صيغتها المنطقية للمتلقي بسهولة وطواعية، انما تاتي الحجة دائما ممتزجة بلحم اللغة ودمها، متلفعة بانفعالات الناس واعرافهم موربة بتضاريس الواقع وبشئون الناس وشجونها.
ويسرد الكاتب في كتابه عددا كبيرا من المغالطات المنطقية، ويذكر امثلة واقعية على كل واحدة منها، وفيما يلي نقوم بتلخيص لأهم المغالطات المنطقية ـ كما جاءت في الكتاب ـ مع ذكر أمثلة مهمة عليها:
1. المصادرة على المطلوب: وهي التسليم بالمسالة المطلوب البرهنة عليها من اجل البرهنة عليها، أي انك تجعل النتيجة مقدمة وتجعل المشكلة حلا وتجعل الدعوى دليلا. مثال على ذلك: "يجب الغاء المواد غير المفيدة كاللغة الانجليزية، وذلك لان انفاق اعتمادات لمادة غير مفيدة للطالب هو شيء لا يقره أحد". (الحجة هنا لا تثبت ان اللغة الانجليزية غير مفيدة).
2. مغالطة المنشأ: للانسان ولع متأصل بمعرفة مصدر الحجة، وقلما يولي الناس ثقتهم بآراء جاءت من مصدر يمقتونه، متناسين ان الحجة انما تنهض على ارجلها الخاصة، وتستند الى معايير صدقها وتقف بمعزل عن أصلها. مثال: "هذه المعلومة صحيحة مائة في المائة لأن قائلها المفكر الفلاني". ومثال آخر: "لا تستعمل خاتم الزواج (الدبلة) لأن هذا الرمز يعود الى اصول بدائية همجية ـ ربط النساء بحلقة في سلسلة حديدية لئلا يهربن من ازواجهن ـ".
3. التعميم المتسرع: وهو أن نستمد خصائص فئة كلية من خصائص "عيّنة" من هذه الفئة، أو نستخلص نتيجة حول "جميع" الأعضاء في مجموعة ما من خلال ملاحظات عن "بعض" أعضاء هذه المجموعة . مثال: "تدخل مكتبة فتجد رفا مملوءا بالروايات فتعتقد أن كل الكتب الموجودة بالمكتبة روايات". فكما نلاحظ هنا، لكي يكون هذا التعميم صائبا أو قريبا من الصواب ينبغي أن تكون العينة ممثلة للمجموعة بكاملها، وهو امر صعب ومكلف كثيرا، فالناس يميلون الى التحيز في اخذ العينات التي تناسب نظرياتهم، اما بسبب الكسل أو بسبب قلة التكاليف.
4. تجاهل المطلوب (الحيد عن المسألة): في هذه المغالطة يتجاهل المرء الشيء الذي يتوجب أن يبرهن عليه، ويبرهن على شيء آخر. مثال: "يتم مناقشة تطوير نظام دفاعي باهظ الكلفة، فيبرهن على اهمية تطوير دفاعاتنا، دون أن تعرض لهذا النظام الدفاعي وتثبت حاجتنا الحقيقية إليه وتبرهن على انه اجدى لنا من غيره على ثقل كلفته".
5. الرنجة ـ السمكة ـ الحمراء: هي حيلة كان يستخدمها المجرمون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم، وذلك بسحب سمكة رنجة حمراء عبر مسار المطاردة، فتجتذب الكلاب رائحتها الشديدة عن رائحة الطريدة الأصلية ـ المجرمون الفارون ـ. مثال: "أعرف أن الأستاذ فلان كان يشكو في الاجتماع الأخير من ضيق اماكن الانتظار في الكلية، ولكن هل تعلمون أنه على علاقة مشبوهة مع سكرتيرته؟!".
6. الحجة الشخصية: وهي أن يعمد المغالط الى الطعن في "شخص" القائل بدلا م تفنيد "قوله". مثال : "والآن نأتي الى اقتراح السيد فلان بضم الشركتين معا. لم أكن أود أن أنكأ جروحا قديمة ولكني مضطر الى ان اطلعكم على محاضر تفيد بأنه كان متورطا منذ عشر سنوات في قضية تحرّش وفي قضية سكر".
7. التعريض بالظروف الشخصية: حيث يكتفي المغالط بأن يشير الى أن ظروف خصمه الخاصة هي التي ألجأته الى تبني الراي الذي يتبناه وان له مصلحة مكتسبة في ان يمرر هذا الراي ـ ولا ننكر ان للظروف سطوة على سيكولوجية الأفراد ـ. مثال: "بالطبع نحن لا نتوقع منك الا أن تؤيد قرار رفع ميزانية التسليح، فقد عرفنا انك تعمل في مؤسسة لتجارة الأسلحة".
8. أنت أيضاَ "تفعل ذلك": هنا يقلب المغالط الطاولة على خصمه، باعتباره لا يفعل ما يعظ به، او لا يتجنب ما ينهى عنه، وكأن الخطأ يشرّع الخطأ أو كأن خطأين يصنعان صواباَ. مثال : "كيف استمع الى نصيحة هذا الطبيب بخفض وزني اذا كان هو نفسه بديناً كالدب؟!" أو "لماذا كل هذا الجزع من الفساد في بلادنا، ان الفساد لينخر في ارقى بلاد العالم".
9. تسميم البئر: وهي ان تبادر بضربة وقائية ضد خصمك وتصمه بانه لا يولي الحقيقة اي اعتبار فيتضمن ذلك انه مهما يقل فيما بعد فلن بثق به أحد. مثال: "لا تصدق ما سيقول، انه وغد" أو "كم اتمنى لو ان هناك عددا اكبر من النساء في هذا المجلس يتحدثن في هذا الشان ـ الاجهاض مثلا ـ فالرجال لا ناقة لهم فيه ولا جمل".
10. الاحتكام الى سلطة: يعني ان المصادر النهائي للمعرفة هو سلطة من نوع ما. قد تكون الفكرة صائبة بطبيعة الحال، ولكن تكمن المغالطة في اعتبار السلطة بديلا عن البينة، او اتخاذها بينة دون الينة. مثال : "يؤكد العالم الفيزيائي فلان الفلاني ان فيروس الانفلونزا سيتم القضاء عليه عام الفين وخمسين" (العالم خبير في غير مجاله).
11. استدرار العطف : العطف شعور نبيل، ولا بأس من استدرار العطف اذا استدعى السياق، وخلصت النوايا، انما يكمن الخطأ في ان تسند الى العطف وظيفة البينة. مثال: "لا تحكموا بالاعدام على هذا الصبي ـ الذي قتل والديه ـ، ألا يكفيه عقاباً انه سيعيش بقية حياته يتيماً بدون والديه؟!".
12. الاحتكام الى عامة الناس: تتضمن هذه المغالطة الاحتكام الى الناس واستثارة الحشود وعواطفهم بدل الاحتكام الى العقل (أو على حساب العقل)، وهي غالبا تستخدم من طرف رجال الدعاية والاعلام وقادة الاحزاب والجماعات. مثال: "الفكرة رائجة اذن الفكرة صحيحة" أو "اتفق معظم الناس على ان الارض مسطحة، اذن فهي ليست كروية كما تعتقد القلة (في الماضي طبعاً)".
13. منطق العصا أو اللجوء للتهديد: تقبع في صميم هذه المغالطة فكرة "القوة تصنع الحق"، فبوسعك ان تفرض السلوك القويم بالقوة ولكن الحجج العقلية لا تثبت وتفرض بالقوة. مثال: "ينبغي ان توافق على السياسة الجديدة للشركة، هذا اذا كنت تريد ان تحتفظ بوظيفتك".
14. الاحتكام الى النتائج: المغالطة هنا ان نستخدم النتائج السلبية او الايجابية ـ في نظرنا ـ المترتبة كدليل على اعتقاد ما كدليل على كذب هذا الاعتقاد او صدقه. ان القضية الصادقة هي قضية صادقة بغض النظر عن شعورنا تجاه نتائجها. مثال: "ان نظرية التطور نظرية مغلوطة والا لكان الانسان قريبا لبقية الحيوانات وكان له ان يفعل فعلها ويسلك مسلكها".
15. الألفاظ المشحونة (المفخخة): لكل لفظ من الفاظ اللغة ضربان من المعنى أو الدلالة، المعنى الحقيقي المباشر، والمعنى الضمني الايحائي، حيث تكون اللفظة محملة بمتضمنات انفعالية بالاضافة الى معناها المباشر. مثال: "استعمال كلمة بهيمة بدل حيوان، او رشوة بدل حافز، أو صارم بدل عنيد، أو مجتمع نام بدل مجتمع متخلف، أو شخص مدقق بدل شخص موسوس".
16. المنحدر الزلق أو "أنف الجمل": تعني هذه المغالطة ان فعلا ما، ضئيلا او تافها بحد ذاته سوف يجر وراءه سلسلة محتومة من العواقب تؤدي في نهاية المطاف الى نتيجة كارثية. مثال: "اذا استثنيتك انت من القرار فسوف يكون عليّ أن أستثني الجميع" أو "اذا سمحنا للناس اليوم باختيار جنس الجنين، فسوف نسمح لهم غدا باختيار لون عينيه وشعره، وهكذا الى ان نسمح لهم بانسال اطفال بمواصفات حسب الطلب".
17. القسمة الثنائية الزائفة أو الاحراج الزائف: المغالطة هنا بناء الحجة على افتراض ان هناك خيارين فقط أو نتيجتين ممكنتين لا اكثر، بينما هناك خيارات أو نتائج أخرى. مثال: "اما انك معنا واما ان تكون ضدنا" أو "اما ان تشن معنا هذه الحرب من اجل الحفاظ على منهجنا في الحياة واما ان تكون خائنا جبانا" أو "أبيض أو أسود" (مع اهمال اللون الرمادي طبعا).
18. السبب الزائف: يميل البشر الى تفسير الاحداث وادراك سببها، ولذلك اسسوا العلم الأصيل منه والزائف. ويتساءلون عن سبب المرض وسبب الدمار وسبب الكسوف، والمغالطة هنا اتفاق الناس على أسباب غير علمية لهذه الاشياء. مثال: "سبب التسونامي في آسيا هو سوء اخلاق السكان في تلك القارة" أو "كلما كبر قدم الطفل كلما كان خطه اجمل" أو "تشوشت الصورة في تلفاز فلان فخبط بقوة على التلفاز فانصلحت الصورة، اذن خبط الجهاز هو ايسر طريقة لاصلاح اعطاء التلفاز".
19. السؤال المشحون (المركّب): وضع عبارات وصفات في السؤال بطريقة تجعل المسئول يجيب على سؤالنا بالاجابة التي نريدها. مثال: "أنت مع حرية السوق ليعم الرخاء كل ارجاء الوطن، أليس كذلك؟!"
20. التفكير التشبيهي (المقارنة الزائفة): عقد مقارنة بين امرين ليس بينهما وجه للمقارنة، أو أمرين بينهما مجرد تشابه سطحي. مثال: "انك لا يمكنك ان تصنع عجة ـ شكشوكة ـ بدون ان تكسر بيضاً" أو "يجب ان نسمح للطلاب باصطحاب كتبهم في الامتحانات، الا يستخدم المحامون المذكرات القضائية في مرافعاتهم امام المحاكم؟!".
21. مهاجمة رجل القش: هذه المغالطة العتيدة يعمد فيها المرء الى مهاجمة نظرية أخرى ضعيفة وغير حصينة ـ رجل من قش ـ، بدلا من مهاجمة نظرية الخصم الحقيقية ـ أو الرجل بدمه ولحمه بدل رجل القش ـ. مثال: "النظرية النسبية خطأ لأنه اذا كان كل شيء نسبياً فهذا يعني انهيار الاخلاق، لان ما هو حرام هنا قد يكون حلال هناك، وما هو حلال اليوم قد يصبح حرام غداً".
22. مغالطة التشيىء: التشيىء هو ان تعامل المجردات والعلاقات كما لو كانت كيانات ـ كائنات ـ عينية أو أن تنسب وجودا حقيقيا للتصورات العقلية أو البناءات الذهنية. مثال: "فلان فك محرك سيارته بحثا عن العشرين حصانا التي هي قوة المحرك!!" أو "الطبيعة تبغض الفراغ" (الطبيعة لا تبغض شيئاً) أو "وحدها القوانين العادلة ما يداوي آلام المجتمع" (القوانين لا تداوي شيئا والمجتمعات لا تتألم).
23. التأييد دون التفنيد: الذهن البشري يجد صعوبة في معالجة الاشارات السالبة اكثر مما يجده في معالجة الاشارات الموجبة، والحق انه في عملية البرهنة على اي قانون صادق يكون المثال السلبي هو اقوى المثالين واكثرهما وجاهة وفعالية. مثال: "اذا قلت لمجموعة من الناس بأن السماء ستمطر غدا وامطرت السماء فعلا، فقد يعتبرك الناس خبيرا في الطقس، ولكن اذا لم تمطر، فسينسى الناس ما قلت، ولن يتهمك احد بانك لا تفهم شيئا في مجال الطقس".
24. اغفال المقيّدات: يتألف شطر كبير من حديثنا اليومي من عبارات حول ما تكونه الاشياء على وجه الاجمال، ولكن ما ينطبق على الاجمال قد لا ينطبق على حالات معينة. مثال: "سيارة الاسعاف التي عبرت الآن تستحق مخالفة لأنها كسرت الاشارة الحمراء" أو "لا شأن لي بنزيف أنفك، التعليمات صريحة، غير مسموح لأي طالب بالذهاب الى الحمام الا بعد جرس الحصة".
25. مغالطات الالتباس: كثيرا ما يتبدل معنى الكلمات او التعبيرات أثناء الحديث أو في مساق حجة، وقد يحدث ذلك عن غفلة وقد يحدث عن عمد. مثال: "كل قانون يجب ان يطاع، وقانون الجاذبية هو قانون، اذن قانون الجاذبية يجب أن يطاع" (هنا استخدمت كلمة قانون بمعنيين مختلفين) أو التباس المعنى كما في "لا تقتل نفسك هكذا يا رجل، دعنا نساعدك!".
26. مغالطة التركيب والتقسيم: وهي الانتقال غير المشروع من خصائص الكل الى خصائص اجزائه المكونة، أو العكس، من خصائص المكونات الى الكل. مثال: "قد تضم فرقة موسيقية أمهر العازفين ثم لا تكون فرقة ناجحة لأن كل عازف يعرض براعته هو ولا يهتم باتساق النغم الكلي للفرقة" أو "جميع اجزاء هذه الآلة خفيفة الوزن اذن فهذه الآلة خفيفة الوزن" أو "الصوديوم سام والكلور سام، اذن كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) سام!".
27. اثبات التالي: يقع المرء في هذه المغالطة عندما يعتقد ان الشرط ولازمه (اي المقدّم والتالي) في القضية الشرطية منعكسان. مثال: "اذا كانت آلة ضخ المياه في حوض الآسماك تلوثه، والتلوث يتسبب في موت بعض الاسماك، وهناك اسماك ميتة، اذن الآلة هي السبب" (طبعا قد يكون هناك سبب آخر لموت الاسماك لا نعرفه).
28. ذنب بالتداعي: يقع المرء في هذه المغالطة حين يذهب الى ان رأيا ما هو صواب أو خطأ بالضرورة بالنظر الى معتنقيه. مثال: "جميع الليبراليين من دعاة الحقوق المدنية، وفلان من دعاة الحقوق المدنية، اذن فلان ليبرالي" أو "جميع الاسلاميين ضد فصل الدين عن الدولة، وفلان ضد فصل الدين عن الدولة، إذن فلان اسلامي".
29. مغالطة التأثيل: ثمة اعتقاد يقر في اذهان الكثيرين مفاده ان المعنى الحقيقي لأي كلمة يجب ان يلتمس في الاصل التاريخي الذي اتت منه الكلمة أو ما يسمي في اللسانيات بالتأثيل. مثال: "كلمة فنان تاتي من كلمة فن من افنان وهي الألوان" (لا علاقة لذلك بما نعرفه عن ما تعنيه كلمة فن الآن).
30. الاحتكام الى الجهل: تفيد هذه المغالطة ان شيئا ما هو حق بالضرورة مادام أحد لم يبرهن على أنه باطل. مثال: "سئل جحا كم عدد شعرات رأسك يا جحا؟ فأجاب: عددها واحد وخمسون ألفا وثلاثمائة وتسع وتسعون شعره. فقيل له: وكيف عرفت ذلك نحن لا نصدقك؟ فأجاب جحا: اذا كنتم لا تصدقونني فقوموا أنتم وعدّوها!!".
31. سرير بروكرست (البروكرستية): كان بروكرست قاطع طريق يفرض على ضحيته ان ينام على سريره الخاص الذي كان يعتقد انه يناسب جميع الناس، الطويل منهم والقصير، فاذا كان الضحية قصيرا شد رجليه ليمطهما الى حافة السرير، أو يبترهما بترا ان كان طويلا ليفصل منها ما تجاوز المضجع حتى ينطبق تماما مع طول السرير. وظل هذا دأبه الى أن لقي جزاءه العادل على يد البطل الاغريقي ثيسيوس الذي اخضعه لنفس المُثلة فاضجعه على السرير ذاته وقطع رقبته لينسجم مع طول سريره. وهكذا يشير مصطلح "سرير بروكرست" الى فرض القوالب على الاشياء او الاشخاص او النصوص أو لي الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق البيانات، لكي تنسجم قسرا مع مخطط ذهني سابق. مثال: "توعز الحكومة لمرفق الاستخبارات بأن يُفصّل لها معلومات استخباراتية على مقاس قرار سياسي مبيّت، بدلا من أن يكيف القرار السياسي وفقا للمعلومات المخابراتية".
32. مغالطة المقامر: تنطوي هذه المقامرة على فهم فكرة الاحتمالات وفكرة الارجحية، ونحن نرتكب هذه المغالطة عندما نظن ان ما وقع في الماضي له تاثير على الارجحية او الاحتمالات. مثال: "لقد اشتريت تسع بطاقات حظ الاسبوع الماضي ولم تكن بينها اي بطاقة رابحة، وحيث أن فرص الكسب هي واحد من عشرة، فان بطاقتي القادمة ستكون رابحة على الارجح".
33. المظهر فوق الجوهر: يقع المرء في هذه المغالطة عندما يولي اهمية زائدة للأسلوب الذي تم به عرض حجة ما، بينما يهمّش أو يتغافل مضمون الحجة ومحتواها. مثال: "من المؤكد ان حجة رئيس المجلس ضعيفة الا ترى كم كان جبينه يتفصّد عرقا؟".
وبعد عرض هذا العدد الكبير من "المغالطات المنطقية"، يُنبهنا مؤلف الكتاب الى ان المنطق "الغير صوري أو الشكلي" الذي به نسنطيع الكشف عن كثير من هذه المغالطات، هو منطق في طور التكوين رغم مرور أكثر من نصف قرن على نشأته، وما زال يتلمس طريقه ويفتش عن هويته. كما ان الباب مفتوح على مصراعيه لمن يريد استخدامه ـ دون الحاجة لأن يكون الشخص فيلسوفا أو طالب فلسفة ـ في واقع حياتنا اليومي المليء بالمغالطات المنطقية التي يقوم باستخدامها البعض عن قصد أو عن غير قصد، وعن حسن نيّة او عن سوء نيّة.
...