شكري السنكي... مُنصف الموتى من الأحياء!!
الأستاذ شكري السنكي
الأستاذ شكري السنكي، من الكتاب الليبيين القلائل الذين بذلوا جهدا كبيرا وشاقا من أجل كتابة تاريخ كثير من الشخصيات الليبية والتعريف بها وإعطاء القاريء معلومات تفصيلية عنها ـ تحصل عليها نتيجة لبحثه المضني واتصاله بعائلات الشخصيات المكتوب عنها واصدقائهم ومعارفهم والمهتمين بهم ـ.
وكثيرا ما يجد القاريء في مقالات شكري السنكي عن شخصية معينة ـ بعد موتها ـ معلومات تجعل القاريء يغير من فكرته عن تلك الشخصية، نظرا للمعلومات المغلوطة أو الاشاعات التي انتشرت عن تلك الشخصية ـ في حياتها ـ عن طريق الاعلام او المجتمع، وهو بهذا يعطي الشخصيات حقها وينصفها ميتة من الأحياء الذين قد يكونوا ظلموها في حياتها. ولذلك ينطبق على شكرى السنكي ما قاله أحمد شوقي في رثاء صديقه حافظ ابراهيم عندما قال: "قد كُنتُ أؤثرُ أن تقُول رثائي... يا مُنصف الموتى من الأحياء".
وقد كتب شكري السنكي عن مختلف الشخصيات بمختلف اطيافها السياسية والاجتماعية، دون أن يخفي موقفه السياسي او الاجتماعي من كل منها وبطريقة لا يشعر معها القاريء بأن ذلك أثّر في موضوعية تناوله لها، فكتب عن الملك ادريس كما كتب عن العقيد القذافي، وكتب عن سيرة احمد احواس كما كتب عن سيرة احمد ابراهيم، وكتب عن تاريخ المعارضة الليبية لفرعون ليبيا كما كتب عن الحاشية التي صنعت ذلك الفرعون، وكتب عن اصدقائه ـ مثل المرحوم سعد الاثرم ـ كما كتب عن اعدائه من قيادات اللجان الثورية.
ولم يكتفي شكري السنكي بالكتابة عن تاريخ الشخصيات السياسية فقط بل كتب عن الشعراء والكتاب والمثقفين والعلماء عموما وكتب عن الناس الطيبين الذين أثروا الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية، كما كتب عن الناس الذين أفسدوا هذه الحياة، من أجل أن ينتبه الناس للفرق بين الانسان المخلص لوطنه، الذي يخدم وطنه ويبنيه بصدق ـ سواء كان في الحكم أم خارجه ـ، وبين الانسان العاق الذي يُخرّب الوطن ويهدم بنيانه ـ اذا لم يصل الى سدّة الحكم ـ شعاره "عليّ وعلىّ أعدائي".
والحق يقال أنّ شكري السنكي من الكتاب التاريخيين القلائل الذين شذّوا عن قاعدة انتظار الكتابة عن الشخصيات التاريخية إلى ما بعد موتها ـ والتي ينطبق عليها المثل الليبي، ما معناه: "عندما كان حيّا كان يتمنى أن يُعطى بلحة واحدة، فلم يعطه أحد... وبعد أن مات اعطوه عرجونا كاملا". فكتب مقالات كثيرة عن شخصيات حيّة، من خلال كتابته عن مناسبات تاريخية معينة يذكر فيها شخصيات كثيرة يُعرّف بها وبدورها التاريخي واصحابها لا يزالون أحياء يرزقون.
وقد مزج شكري السنكي في كتابته للتاريخ بين التاريخ الحديث منه والتاريخ المعاصر، وخير مثال على ذلك سلسلته الطويلة "هَدْرَزَة في السّـياسَةِ والتاريـخ: الملك .. العقيد.. المعـارضة الليبيّة في الخارج" والتي كانت في ثلاثة أجزاء (39 حلقة): الجزء الأول (13 حلقة) ـ الجزء الثاني (16حلقة) ـ الجزء الثالث (10 حلقات). ولم تكن هذه السلسلة هدرزة بالمعنى الدارج ، بل كانت رصدا رصينا لفترات هامة من تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر وتعريفا مفيدا بالشخصيات التي لعبت ادوارا هامة فيها.
ولا يفوتني وأنا أكتب عن شكري السنكي ودوره الهام في كتابة تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر ـ والشخصيات التاريخية على وجه الخصوص ـ، أن أعبّر هنا عن عظيم الفائدة والمتعة التي أجدها في قراءة الهوامش التي تمتليء بها مقالاته بشكل ملفت للنظر. بل أنني أعتبر شكري السنكي من أهم الكتاب الليبيين ـ والعرب عموماَ ـ المهتمين بالهوامش ـ أو الحواشي ـ في مقالاته التاريخية، إن لم يكن أهمهم على الاطلاق.
ولهوامش مقالات شكري السنكي قيمة تاريخية كبيرة، ومن الواضح أنه يقضي وقتا طويلا في بحثها وترتيبها ووضعها في المكان المناسب، بل أنه قسمها الى أنواع، أشار الى بعضها بارقام وأخرى بحروف وأخرى باشارات.
ولأنني من الذين تستهويني الهوامش لما فيها من فائدة لمعرفة تفاصيل أكثر عن موضوع المقالة، ومعرفة تعريفات لمصطلحات علمية وتاريخية كثيرة ومعلومات دقيقة متخصصة لا يتسع المتن لها لما تحدثه من استطرادات قد تؤثر على تركيز القاريء ـ خاصة القاريء غير المتخصص في موضوع المتن ـ، فقد وجدت متعة كبيرة في قراءة هوامش السنكي، ولا أخفي عليكم أنني في احيان كثيرة أقرأ الهوامش قبل قراءة المتن عندما أقرأ مقالات السنكي وغيره من الذين يجيدون استعمال الهوامش في مقالاتهم أو كتبهم.
وفي الختام أحب أن أقدم جزيل شكري لصديقي العزيز شكري السنكي الذي أجد متعة وفائدة في قراءة مقالاته كما أجد متعة وفائدة كلما جلست معه أو تحدثنا بالتلفون، وادعوه إلى تجميع مقالاته في كتب ـ ورقية ـ بالاضافة الى الالكترونية ، لتعم الفائدة ولتحفظ هذه المكتبة الجميلة التي بذل جهدا عظيما في انشائها، ليستفيد منها القراء في عصرنا وفي المستقبل، وأدعو له بالصحة وطول العمر ليثري المكتبة الليبية بعشرات ان لم يكن مئات من الكتب الممتعة المفيدة.
* مقالات شكري السنكي بليبيا المستقبل (ارشيف 1)، ارشيف 2)