ابراهيم اغنيوه: عن الديمقراطية الليبرالية... قضايا ومشاكل 6/4/2015 21:41 ابراهيم اغنيوه: عن الديمقراطية الليبرالية... قضايا ومشاكل
ابراهيم اغنيوه بحث

ما هي الديمقراطية الليبرالية، ما هي ايجابياتها وسلبياتها؟ ما هو الفرق بينها وبين الديمقراطية القديمة؟ ما هي الديمقراطية "الحقيقية" وهل غيرها من الديمقراطيات هي أيضاً "ديمقراطية"؟! ما هي جذور الفكر الليبرالي وما هو مستقبل الليبرالية عموما؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير، يحاول الاجابة عليها كتاب "عن الليبرالية الديمقراطية... قضايا ومشاكل" ـ دار الشروق 1993م  تأليف: د. حازم الببلاوي.

يبدأ الكاتب بالقول أنه لا يوجد اصطلاح امتهن وتعددت استخداماته كما حدث لمفهوم الديمقراطية، كما أنه تم اختراع ديمقراطيات "شعبية" و"جماهيرية" شوّهت المعنى السامي للديمقراطية وقام زعماؤها بأبشع أنواع الاستبداد. ويقول الكاتب أنه رغم انجازات الديمقراطية في كثير من الدول إلا أنّ ثمة مظاهر قلق وملل في هذه الديمقراطيات العريقة، كما انه كثيرا ما ادى تطبيق الديمقراطية الى حالات من الفوضى والعنصرية والبربرية.

ويتطرق الكاتب الى مناقشة الجذور النظرية للفكر الليبرالي الحديث وما اصابه من انتكاس خلال معظم القرن العشرين قبل ان يستعيد ثقته بالنفس في العقد الأخير منه مع سقوط معاقل النظم الشمولية، فيقول أنه مع قيام الثورة الفرنسية في عام 1789م ـ وقبلها الثورة الأمريكية عام 1776م ـ مبشرة بالحرية والثورة الليبرالية، صار الاعتقاد أن الطريق امام الديمقراطية قد فتح الى غير عودة، واذا بالقرن التاسع عشر يحفل بالدعوات الشمولية وتدخل الدولة وسيطرتها ـ الفاشية والنازية والشيوعية ـ.

ولكن ـ يقول الكاتب ـ بعد مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية تحلل النظام الماركسي في الاتحاد السوفيتي ومعظم دول اوربا الشرقية، وكانت الفاشية والنازية قد قضي عليهما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبعها سقوط نظام سالازار ـ البرتغال ـ سنة 1974م، ونظام فرانكو ـ أسبانيا ـ في عام 1975م، وحكم العسكر في اليونان ـ 1974م ـ، والارجنتين ـ 1982م ـ، واورجواي ـ 1983م ـ، والبرازيل ـ 1984م ـ، وشيلي ـ 1990م ـ، وسقط نظام كوريا ـ 1987م ـ، وجنوب افريقيا ـ 1990م ـ ... الخ. وحق لفرانسيس فوكوياما أن يكتب عن "نهاية التاريخ" والانتصار النهائي لليبرالية بشقيها الاقتصادي (السوق) والسياسي (الديمقراطي).

فما هي هذه الليبرالية؟

يقول الكاتب أن ثمة ارتباط شديد بين الليبرالية وفكرة الحرية والديمقراطية، بل أن اسمها مشتق في الواقع من معنى الحرية، واذا كان الحديث عن الحرية والديمقراطية قديما ـ الفكر اليوناني ـ وايطاليا ـ عصر النهضة ـ، يؤدي بنا الى استنتاج أن تلك الممارسات لا تمثل الفكر الليبرالي كما تطور في القرن السابع عشر ـ جون لوك ـ ، لأن الفكر الليبرالي ليس فقط دعوة الى الحرية، ولكنه بالدرجة الأولى "دعوة إلى الفردية"، واحترام مجال خاص يتمتع الفرد فيه باستقلاله وحريته دون تدخل أو ازعاج.

وينبه الكاتب الى أن الليبرالية لا تعني الفردية فقط، ولكنها تراوح بين مفهومين أساسيين: الأول هو الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية، والثاني هو الاعتراف بمجال خاص لا يجوز التعدي عليه أو التدخل فيه. وهذه هي التفرقة بين الحرية بالمعنى القديم وبين المفهوم الحديث. والفكر الليبرالي ـ وان كان يستند الى الديمقراطية ـ فانه لا يراها ضمانا كافيا بل لابد وان يصاحب ذلك الاعتراف بحقوق الافراد على نحو لا يجيز المساس بها. ومن هنا ـ يقول الكاتب ـ فان الديمقراطية الوحيدة التي تتفق مع الفكر الليبرالي هي الديمقراطية الدستورية، اي التي تضع حدودا على كل سلطة حماية لمجال خاص لحرمة الأفراد في اموالهم وحرياتهم. والاعتراف بمجال خاص يتطلب أن تتوزع الملكية ولا تتركز في يد واحدة ـ ولو كانت يد الدولة ـ. وهكذا نجد ـ لدى جون لوك ـ مبدأين أساسيين من مباديء الليبرالية، ألا وهما فكرة دولة القانون من ناحية وفكرة اقتصاد السوق القائم على الملكية الخاصة من ناحية أخرى. وكان منتسكيو وكندرسيه وفولتير وهيوم ساهموا بدرجات متفاوتة في تأكيد هذه التقاليد الليبرالية.

ويقول الكاتب أنه رغم أن الجذور التاريخية لليبرالية قد وجدت أساسها من خلال كتابات الفلاسقة والمفكرين وخاصة منذ القرن السابع العشر في انجلترا وفرنسا والى حد ما في الولايات المتحدة، فانها وجدت اهم تطبيقاتها في انجلترا خلال القرن التاسع عشر. ويمكن بصفة تقريبية القول بان الفترة منذ نهاية الحروب النابليونية (1815م) وحتى قيام الحرب العالمية الاولى (1914م) هي أظهر فترات الحكم الليبرالي، وخاصة قي انجلترا.

ان الخاصية الأولى للديمقراطية الليبرالية ـ يقول الكاتب ـ هي انها تمثل دولة قانون. والقانون في الفكر الليبرالي يهدف ـ الى جانب تنظيم امور الجماعة وتطويرها ـ الى حماية حقوق الأفراد الاساسية. والقانون هنا وضعي ويعترف دائما بامكانية تعديله وتبديله من اجل الاصلاح والتحسين والتقدم. ولا شك ان هذا القانون الوضعي يحاول قدر الامكان الاقتراب من القانون المثالي، الا انه لا يدعي ابدا الكمال، كما ان نطاق تدخل القانون في حياة البشر محدود جداً. كما ان هذا القانون لا يهمل دور القيم والاخلاق والدين.

ويؤكد الكاتب ان الديمقراطية الليبرالية تضمن المشاركة الشعبية في الحكم عن طريق انخراط المواطنين في مؤسسات مدنية وعن طريق التمثيل النيابي ـ وهي ليست ديمقراطية "مباشرة" مثالية مستحيلةـ، وينبغي ان يتوافر في النظام النيابي نوع من التوازن والتقابل في توزيع السلطات والمسئوليات، وهذا يعني فصل السلطات، وضمان رقابة السلطة القضائية على السلطتين التشريعية والتنفيذية، لضمان احترام القوانين وعدم الخروج عليها.

اما من الناحية المالية ـ يقول الكاتب ـ فإن الديمقراطية الليبرالية توجب ضرورة الشفافية والاعلان الكامل عن كافة النفقات والايرادات وأن يكون ذلك على نحو يمكن ممثلي الشعب من المعرفة الكاملة والحقيقية لموارد الدولة المالية واوجه اتفاقها.

واذا كان التغيير في الحكم ـ ينبّه الكاتب ـ من طبيعة النظم الديمقراطية، فإن ذلك لا يعني بالمقابل التغيير السريع وظهور أوجه جديدة على المسرح السياسي كل يوم، بل أن أحد أهم عناصر الحكم الديمقراطي هو توفير الاستقرار لتحقيق الكفاءة في الحكم.

ويحذر الكاتب من أن تتحول الديمقراطية الى شعار يردده الناس دون العمل بها، فلا يكفي ـ يقول الكاتب ـ إقامة البرلمانات والمجالس النيابية أو الحديث عن التعددية السياسية، فكل ذلك ضروري ومهم ولكنه دون ان يندرج في نسق متكامل منسجم مع روح وجوهر المجتمع الديمقراطي، سيظل قاصرا، شكلا بدون مضمون ومؤسسات بدون روح.

ويتساءل الكاتب في نهاية كتابه: ما هو مستقبل الديمقراطية الليبرالية. ويجيب: ان نظرة الى ما صارت اليه الانظمة الفاشية والنازية والشيوعية ـ والشمولية عموما ـ وهي التي كانت تملك ماكينات عسكرية واقتصادية ونظم بوليسية متقدمة، يوحي بأن المستقبل في العالم هو للديمقراطية الليبرالية، خاصة وقد تحول العالم اليوم الى قرية واحدة بفعل القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الاعلام والصحافة الدولية على النت، وتطور التعليم ووعي الناس بحقوقهم الانسانية وحقوق غيرهم من البشر. ولكن ـ ينبه الكاتب ـ الظروف المناوئة للديمقراطية الليبرالية والمعارضة لها لا تقل قسوة وخطورة، بما يتوافر لها من امكانيات مادية ومعنوية، وأبرز مثال على ذلك مئات القنوات الفضائية وآلاف مواقع النت التي تموّلها دول ومنظمات، وتصرف عليها مليارات الدولارات، من اجل تشويه الديمقراطية، ومن اجل تشويه الديمقراطية الليبرالية على وجه الخصوص.

وفي الختام، يدعو الكاتب الديمقراطيين، عموما ـ الى ان يحرصوا على اقامة الديمقراطية والدفاع عنها وتطويرها وتنميتها، فالديمقراطية ليست منحة جاهزة من الطبيعة، ولكنها ثمرة جهد وبذل وعطاء، وهي بعد تستحق مزيد من الجهد والبذل والعطاء.

ابراهيم اغنيوه

 


إضغط هنا لمراجعة التعليمات الخاصة بتعليقات القراء

إضغط هنا للتعليق على الموضوع
Reader's Comments
ليبي ليبي
الذي يتأمل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام، فهو ينكر أن يؤم الناس في الصلاة من يكرهونه، ولا يرضون عنه، وفي الحديث : " ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق…...
التكملة
غازى الليبيرالي
شكرا لك مقال رائع استاذالديمقراطية الليبيرالية تنمو وتزدهر في مجتمع واعي ودولة علمانية للاسف مجتعاتنا العربية مازالت لم تصل الي مستوى من الوعي والادراك بفوائد العلمانية رغم انهم يشاهدون نجاح…...
التكملة
خالد
لاحول ولا قوة الابالله..!! تطرق الكاتب والسيد اغنيوة الى العديد من التجارب في العالم لأجل كلمة الديمقراطية والتي أصبحت وكأنها كلمة مقدسة او فعلا سامية كما يدعي..!! وتجاهل الحضارة الاسلامية…...
التكملة
نصرالدين خليفة
نشكر الكاتب أ. أبراهيم غنيوه عن هذا المقال المفيد....
التكملة