كثيرا ما يدهشني الفارق الكبير بين ما نقوله من كلام وما نعمله بالفعل، أو بين ما نؤمن به ـ نظرياً ـ وما نقوم به في واقع حياتنا. وأعتقد أن تقريب المسافة بين ما نقول ـ وبين ما نفعل، هو أول عمل يجب أن نقوم به إذا ما أردنا أن يتغيّر حالنا إلى أحسن مما هو عليه في عصرنا.
فمثلا من ناحية القول والكلام، نحن نعتقد أننا نؤمن بأنّ "النظافة من الايمان" وهو كلام جميل، ولكن الحقيقة هي أن شوارعنا وأزقتنا ليست نظيفة على الاطلاق، بل أكاد أجزم بأنه لو استمر اضراب شركة النظافة لشهر آخر أو أكثر لتعودنا على جبال القمامة في شوارعنا واصبحت جزءا مألوفا في حياتنا، تماما مثل الحفر والمطبات وبحيرات المجاري.
مثال آخر، "النظام"، نظريا نحن منظمون، ونؤمن ـ نظريا / قولاً ـ بأنّ "النظام أساس العمل"، وفي الجامع مثلا "نُسوّي الصفوف" ونكون منظمين جداً، ونصطف ـ في أقل من دقيقة ـ أثناء الصلاة في صفوف جميلة، ولكن ما أن تنتهي الصلاة ويقول الامام "السلام عليكم" حتى ننطلق إلى باب المسجد نتزاحم ونتنافس أيّنا يخرج قبل غيره من المُصلين، في فوضى عارمة. فكيف نسينا أننا قبل دقائق كنا في صفوف جميلة منظمة أثناء الصلاة وراء الامام؟
ومثال آخر، هو أننا نؤمن ـ نظرياً / قولاً ـ بـ"أنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" كما ورد في الحديث الشريف. ولكننا في الواقع ـ في معظم الأحيان ـ لا نقترب من الاتقان أبداً، ويكون في معظم الأعمال التي نقوم بها نقص كبير ـ ناهيك عن التلفيق والتمويه والسرعة في انجاز الأعمال ـ مما يؤدي إلى إنجاز ناقص غير متكامل، بل أننا في أحيان كثيرة لا نقوم بالعمل الذي قبضنا أجره كعاملين أو كموظفين.
كيف نؤمن ـ نظرياً ـ بأنّ "النظافة من الايمان"، ولا يكون للنظافة مكانا في واقع حياتنا؟! وكيف نؤمن ـ نظرياً ـ بأنّ "النظام أساس العمل"، ولا يكون للنظام مكانا في واقع حياتنا؟! وكيف نؤمن ـ نظرياً ـ بأنّ "الله يحب اذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، ولا يكون للإتقان مكاناً في واقع حياتنا؟!
أسئلة يجب علينا الإجابة عليها بتجرّد، لأنه لكي يتغيّر حالنا إلى أحسن مما هو عليه، يجب أن نكون قوماً يقولون ما يفعلون وليس قوماً يقولون ما لا يفعلون، ولن يكون ذلك إلا إذا جعلنا كل ما نقوله من أقوال عظيمة وكل ما نؤمن به نظريا من أفكار عظيمة، جزءا أساسيا عملياً في واقع حياتنا اليومي.
