ابراهيم اغنيوه: استعمال 11/4/2015 22:23 ابراهيم اغنيوه: استعمال "المنطق الرمادي" في حل مسائل الخلاف بين المتحاورين
ابراهيم اغنيوه بحث

المنطق الرمادي ـ أو منطق الغموض ـ، علم من علوم هندسة نظم التحكم، يستعمل في عدة مجالات، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وله تطبيقات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، استخدامه في صناعة المكيفات (التدرج في رفع وخفض درجة الحرارة) والغسالات (تغير مدة عمل الغسالة وكيفيته طبقا لنوع الاقمشة ودرجة اتساخها). ويحقق استعمال المنطق الرمادي كفاءة في العمل وتوفيرا في الطاقة والتكاليف، مقارنة بتلك التي نحصل عليها عند استعمالنا للمنطق الكلاسيكي.

ونحاول هنا أن نستخدم "المنطق الرمادي" في حل مسائل الخلاف بين المتحاورين، ولكننا قبل أن نفعل ذلك، علينا أن نوضّح الفرق بين "المنطق الكلاسيكي" و"المنطق الرمادي"، من خلال افتراض أنه لدينا مجموعتين يمكن لعنصر ما أن ينتمي اليهما أو لا ينتمي ـ يعتمد الانتماء إلى أحدهما فقط، أو الانتماء إلى كليهما في آن واحد، على نوعية المنطق المستخدم ـ.

المنطق الكلاسيكي يستدعي أن ينتمي العنصر لأحدى المجموعتين "المجموعة الأولى فقط، أو المجموعة الثانية فقط" وليس ثمة مجال أن ينتمي العنصر الى المجموعتين في آن واحد، أي أنه ثنائي القيمة، قيمتان ينتج عنهما قيمة واحدة فقط "واحد أو صفر"، أو لون واحد فقط "أبيض أو أسود"، أو إجابة واحدة فقط "نعم أو لا"، أو رأي واحد فقط "صواب أو خطأ"، أو درجة حرارة واحدة فقط "مرتفعة أو منخفضة"، أو سعر واحد فقط "غالي أو رخيص".

المنطق الرمادي ـ أو منطق الغموض ـ هو منطق متعدد القيم، مفيد جدا عندما يكون الانتماء الى مجموعة واحدة أمرا غير مؤكد ـ ليس أبيض تماما ولا أسود تماما، أو ليس صوابا تماما ولا خطأ تماما ـ، حيث أنه يسمح بأن ينتمي العنصر الى مجموعتين أو أكثر في آن واحد ـ مثلا ينتمي العنصر الى المجموعة الأولى بنسبة 65%، بينما ينتمي الى المجموعة الثانية بنسبة 35% ـ أي أنه يغطي كل المسافة ما بين الصفر والواحد ـ 0,65 مثلا ـ، وما بين الأبيض والأسود ـ أشهب مثلا ـ، وما بين الصواب والخطأ ـ صواب بدرجة 45% وخطأ بنسبة 55% مثلا ـ، بل قد تكون درجة الحرارة ـ مرتفعة جدا، أو مرتفعة، أو معتدلة، أو منخفضة، أو منخفضة جداً ـ.

فمثلا اذا تحاور شخصان حول قضية ما، تلعب اللغة والكلمات والاشارات دورا هاما في تذكية نار الخلاف بين المتحاورين. ويكون ذلك بأن يقول أحد المتحاورين مثلا ـ حسب المنطق الكلاسيكي ـ "مجموعتنا ـ فقط ـ تحب الوطن، ومجموعتكم لا تحب الوطن"، وهو قد يعني "مجموعتنا تحب الوطن ومجموعتكم لا تحب الوطن" ـ بدون كلمة "فقط" ـ، وهي عبارة أخف من التي سبقتها، لأن المجموعة الأولى قد تحب الوطن بنسبة أكثر من المجموعة الثانية، وهذا يعني ـ حسب المنطق الرمادي أو منطق الغموض ـ أن المجموعة الثانية هي أيضا تحب ليبيا ولكن بنسبة أقل ـ في نظر المجموعة الأولى على الأقل ـ.

مثال آخر، هو أن ما يبدو من خلاف بين مجموعتين، قد يكون في الأساس اختلافا في بعض التفاصيل بين أعضاء المجموعتين، تحوّل نتيجة استعمال المنطق الكلاسيكي ـ أي أبيض أو أسود، صواب أو خطأ ـ إلى قطيعة بين المتحاورين واغلاق باب الحوار بينهما نهائيا، وكان في الامكان بدل ذلك تطبيق المنطق الرمادي ـ أي ابيض بنسبة كذا وأسود بنسبة كذا، أو صواب بنسبة كذا وخطأ بنسبة كذا ـ الوصول إلى تفاهم بين المتحاورين، واضافة صواب المجموعة الأولى إلى صواب المجموعة الثانية، وطرح خطأ المجموعة الاولى وخطأ المجموعة الثانية، وإضافة المحصلة إلى الناتج النهائي للتحاور، ويكون المستفيد من ذلك هو "الجميع".

ان الاستمرار في استخدام المنطق الكلاسيكي في الحوارات الصغيرة والكبيرة، رغم توفر آليات المنطق الرمادي، هو اهدار للطاقات والقدرات البشرية واهدار للأموال والامكانيات المادية، لأن ثنائية القيمة المقترنة بالمنطق الكلاسبكي ـ صواب أو خطأ بدون أي اعتبار لنسبية الصواب ونسبية الخطأ ـ، تفرض على المتحاورين أن يكون أحدهما "كذا" ويكون الآخر "نقيض كذا"، مما يعكر صفو العلاقة بين الأصدقاء ـ في حالة كون الحوار بين اثنين ـ، أو يؤدي الى الصراع العنيف ـ اذا كان الحوار بين جماعتين ـ، وقد يؤدي إلى الحرب ـ اذا كان الحوار بين اقليمين أو دولتين ـ.

مثال على ذلك هو أن يقول أحد المتحاورين للآخر "أنا صادق وأنت كذاب"، ويرد الآخر "بل أنا صادق وأنت كذاب"، وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا مائة في المائة، فاذا كان الاثنان صادقين فهما إذن كاذبان، واذا كان الاثنان كاذبين فهما اذن صادقان، وهلم جرا. ولكن اذا قال الإثنان "قد يكون أحدنا صادقا بينما الآخر لا يقول الحقيقة كاملة"، فسيكون ثمة اتفاق ونتيجة تكون في صالح الاثنين، أو بالأحرى في صالح الوطن ـ اذا ما عدنا إلى المثال أعلاه "أنا فقط أحب الوطن، بينما أنت لا تحبه"، واستبدلناه بـ"قد أحب الوطن أكثر منك، ولكنك أنت أيضا تحب الوطن."

الخلاصة هي أن المنطق الرمادي ـ أو منطق الغموض ـ المستعمل علميا في مجال هندسة نظم التحكم، يمكن بقليل من الجهد استعماله في حل مسائل غير علمية تماما مثل الخلاف بين المتحاورين، وبالتالي التقريب بين وجهات النظر رغم اختلافها. ومما لاشك فيه أن هذا المنطق يمكن استخدامه أيضا في حل كثير من المسائل في العلوم الانسانية، ولا يقتصر استخدامه فقط على حل المسائل في العلوم التطبيقية.

ابراهيم اغنيوه

 


إضغط هنا لمراجعة التعليمات الخاصة بتعليقات القراء

 

إضغط هنا للتعليق على الموضوع
Reader's Comments
ابن الوطن
تحية تقدير أزفها للأستاذ إبراهيم غنيوة على هذا الطرح الشيق البناء، شاكرا إياه والسادة المعلقين على إثارة هذا الموضوع المفيد. ليس بوسعي إضافة الكثير لما قيل غير تأكيدي على أهمية…...
التكملة
ابراهيم قدورة
اجد نفسي ممتنا لتطرقك لهذا المنطق في الحوار والتفاوض والذي اعتبره منهج متقدم ، وقد كان هذا المنطق خلف نجاح حوار كامب ديفيد وقد اشار بطرس غالي لهذا في احد…...
التكملة
Enough already
I don't see how can this and other similarly removed articles apply to current affairs in Libya. Is it published to impress people and gain their approval for something that…...
التكملة
حسين صالح
بارك الله فيك د. ابراهيم... نعم نحتاج كلنا في ليبيا وخارجها ان نستخدم هذا المنطق في حواراتنا، فلعلها تكون الضؤ الذي في نهاية النفق...
التكملة
ياسر
Fuzzy logic is an approach to computing based on "degrees of truth" rather than the usual "true or false" (1 or 0) Boolean logic on which the modern computer is…...
التكملة
متواصل
هذا العلم "النطق الرمادي" قد لا يعرفه الكثير. بالرعم من درجة تعليمهم ومناصبهم القيادية للاسف. فنحن في ليبيا وما نحن فيه الأن من أختلافات وأنقسامات ،في حاجه ماسه الي أسلوب…...
التكملة
نوري الرزيقي
بارك الله فيك، قال لإمام الشافعي رحمه الله: رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. يا ليتي قومي يعلمون ويعملون....
التكملة