شخصيّة مِن بلادي...
قراءة فِي تاريخ المُناضل الدّبلوماسي عزيز شنّيب (1 مِنْ 2)
(فلنكن جميعاً على مستوى التَّحدي وعلى مستوى المسئوليّة ولنستبشر
بفجر يوم الخلاص، بل لنصنع فجر ذلك اليوم المرتقب [1]) عزيز شنّيب
المُقدِّمَة:
رأيت الأستاذ عبْدالعزيز عُمر فائق شنّيب (1936م - 2 يناير / كانون الثّاني 2003م) الشهير باسم (عزيز شنّيب) لأوَّل مرَّة فِي سبتمبر / أيّلول عَام 1983م فِي الخرطوم العاصمة السّودانيّة بعْد فترة مِن وصولي أنا وتسعة مِن زملائي إِلى السّودان بغرض إعلان موقفنا مِن نظام معمّر القذّافي وانضمامنا إِلى صفوف قوى المُعارضة الوطنيّة بالخارج. كنت أنا وزملائي ندرس فِي ألمانيا ضمن البعثة التابعة لـ(الهيئة العامّة للتصنيع الحربي)، وعقدنا مؤتمراً صحفياً بمبنى الإذاعة والتلفزيون فِي الخرطوم فِي الثّاني مِن يونيه / حزيران مِن عَام 1983م، مستنكرين حملات الاغتيال التي كان يقودها نظام القذّافي الاستبدادي ضدَّ معارضيه فِي الدّاخل والخارج، ورافضين الضغوطات التي كانت تمارسها عناصر النَّظام على الطلبة فِي الخارج وبالذّات على مَنْ لهم صلة بـ(القوَّات المُسلحة)، ومستهجنين استخدام الغطاء الدّبلوماسي فِي أغراض لا صلة لها بتاتاً بالدّبلوماسيّة وتطوير التعاون وتعميق أواصر العلاقات بين الشّعوب وبلدان العالم المختلفة !. فقد استخدم نظام القذّافي جواز السفر الدّبلوماسي والحقيبة الدّبلوماسيّة فِي تهريب السّلاح والأموال إِلى تنظيمات وجهات مشبوهة، واستخدم مباني السفارات ومكاتبها للاستجواب والتعذيب والاعتقال ودس الأقراص المنوّمة فِي المشروبات ثمّ شحن الضحايا فِي توابيت الموتى إِلى الجماهيريّة مثلما حدث مع الدّكتور محمود سُليْمان المغربي (1935م - 17 يوليو / تموز 2009م) السفير بلندن حيث أقدم عملاء النّظام فِي 23 يونيه / حزيران 1978م على تنويمه بالحبة المخدرة ثمّ نقلوه فِي تابوت إِلى مطار لندن هيثرو (London Heathrow Airport) بغرض شحنه إِلى طرابلس إلاّ أنّ السّلطات البريطانيّة كشفت الجريمة وأنقذته مِن موت محقق.
والحالة الثّانيّة مِن بين حالات عديدة أخرى، مَا جرى للطالبين أحمَد شلادي والهادي الغرياني حيث تعرضا للتعذيب والضرب المبرح داخل مقر سكن السفير الِلّيبيّ فِي بون يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثّاني 1982م، وقد تمكنت الشّرطة الألمانيّة مِن إنقاذهما وفك أسرهما بعْد قيام زملائهما بالاتصال بها وإبلاغها بحادثة الاعتقال والتعذيب داخل المبنى.
المُهِم دخل علينا الأستاذ عزيز شنّيب أنا وزملائي فرحب بنا أيما ترحيب وثمن موقفنا الوطنيّ ورفضنا لنظام القذافي المُستبد ثمّ أطلعنا عمّا يجري فِي أروقة السّلطة وأسباب استقالته مِن منصبه كسفير لليبَيا في الأردن، وحقيقة المؤامرة التي كانت تحاك ضدَّ حيَاة المَلِك الحسين بِن طلال (1935م - 7 فبراير / شبّاط 1999م) عاهل الأردن مِن قبل نظام القذّافي، بالإضافةِ إِلى رؤيته للوضع الرَّاهن وقتئذ ونظرته للمُسْتقبل.
رأيت رجلاً في الخمسينيات مِن عمره، بهي الطلعة أنيق الملبس، صاحب صوت رخيم آسر، دمث الخلق، يشع مِن عينيه ذكاء حاد. قضى الأستاذ عزيز معنا يومين كاملين فتعرفت عليه أكثر، فوجدت نفسي أمام شخص قلما تجد مثله الآن، سواء فِي سعة ثقافته وسلاسة منطقه وقوَّة حجته وقمة تواضعه وجاذبيته الشخصيّة.
والتقيته مرَّة أخرى فِي ولايّة ميتشجان (Michigan) فِي الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة، فِي أواخر شهر ديسمبر / كانون الأوَّل 1983م، حينما زار أمريكا بدعوة رسميّة حيث عقدت معه بعض الجهات الأمريكيّة مقابلات ولقاءات، وزار فيها بعْد ذاك المركز الإعلامي الرئيسي للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا المعروف حينها باسم (القلعة) بمنطقة كانتون (Canton) في ولايّة ميتشجان، حيث عقدت معه مجلّة (الإنقاذ) حواراً أجراه معه الأستاذ عاشور الشويهدي ونشرته المجلّة فِي عددها رقم سبعة (7) الصّادر في جمادي الأوّل 1404 هجري الموافق فبراير / شبّاط 1984م. وقام الأستاذ عبْدالسّلام سليم (مسئول القسم الإذاعي بالمركز الإعلامي – تٌوُفِّيَ فِي التسعينات) بتسجيل الحوار صوتياً وبثته إذاعة الإنقاذ (راديو صوت الشّعب الِلّيبيّ - صوت الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) بعْد أيّام مِن تسجيله، وكانت إذاعة الجبهة قد أنطلق بثها اليومي مِن السّودان يوم الإثنين 11 ذو القعدة 1402 هجري الموافق 30 أغسطس / أب 1982م.
ورُبّما أستطرد فِي هذا السّياق لأقول، كانت صلة الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا الأولى بجماهير الشّعب الِلّيبيّ داخل الوطن مِن خلال شريط إذاعي أنتجته الجبهة ثمّ بثته يوم السّابع مِن أبريل / نيسان 1982م مِن إذاعة (أم درمان بالسّودان)، ومثّل هذا الشريط أوّل اتصال عبر أمواج الأثير بجموع الِلّيبيّين داخل ليبَيا. وقد انطلق بث إذاعة الإنقاذ مِن السّودان، بشكل يومي، وعلى فترات بث محددة، مِن يوم 30 أغسطس / آب 1982م واستمر حوالي عشر سنوات، حيث استمر البث مِن السّودان مِن أغسطس / آب 1982م إِلى بداية شهر أبريل / نيسان 1985م ثمّ العراق مِن عَام 1985م إِلى عَام 1987م ثمّ جمهوريّة تشاد مِن عَام 1987م إِلى عَام 1990م. واستأنفت الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا بث برنامجها الإذاعي الموجه إِلى داخل ليبَيا فِي أواخر فبراير / شباط 1994م عبر الأقمار الصناعيّة مِن تركيا ثمّ توقف البث فيما بين أواخر مارس / آذار وبداية أبريل / نيسان مِن نفس العام بعْد زيارة قام بها عُمر مُصطفى المنتصر (1939م - 23 يناير / كانون الثّاني 2001م) وزير القذّافي للخارِجِيّة إِلى تركيا استمرت مِن 21 إِلى 23 مارس / آذار 1994م، وكان الهدف الأساسي مِن زيارة المنتصر إيقاف البث الإذاعي لجبهة الإنقاذ مقابل صرف الدّيون البالغة (600) ستمائة مليون دولار مستحقات المُقاولين الأتراك الّذِين نفذوا مشاريع بليبَيا والتعهد بإعطاء المُقاولين والشركات التركيّة الأولويّة فِي أيّ مشاريع تطرحها ليبَيا مُستقبلاً فِي سوق المناقصات.
أَعُوْد بَعْد هَذا الاسْتِطْرَاد إِلى الحوار الّذِي أجرته مجلّة (الإنقاذ) مع عزيز شنّيب حيث كنت فِي القلعة وقتما عقدت المجلّة حوارها معه، وقد أدار الشويهدي الحوار وسط دائرة مِن الحضور كنت أنا واحداً مِن بينهم، وضمّت الدائرة كلاً مِن: الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف، والأستاذ علي بوزيد (اُغتيل داخل متجره بلندن يوم 26 نوفمبر / تشرين الثّاني 1995م)، سَعْد عَبْدالله الأثرم (1957م - 5 نوفمبر / تشرين الثّاني 1996م)، وعبْدالسّلام سليم (تٌوُفِّيَ فِي التسعينات)، وتوفيق مُصْطفى منينة، ومختار محَمّد السّنوُسي المرتضي، ومنصُور أحمَد بِن عمران، وسَالم القماطي، وأنور الشّريف، عيسى حمزة محفوظ، ومحَمّد قدري الخوجة، ومحَمّد سَالم العبيدي.
وَفِي المساء، أقام الأستاذ عاشور الشويهدي مأدبة عشاء فِي بيته، على شرف الأستاذ عزيز شنّيب، وقد حضرها ضيوف المدينة الّذِين كنت أنا واحداً مِن بينهم، والضيوف هم: الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف، والأستاذ علي بوزيد. وبعْد العشاء، توافد على بيت الشويهدي كلِّ الأخوة الّذِين حضروا حوار المجلة مع شنّيب بالإضافة إِلى الدّكتور محمود سَعْد ترسين المُقيم بولايّة ميتشجان والّذِي كان يشغل وقتئذ رئيس المجلس الوطني للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا، فِي سهرة امتدت إِلى ساعة متأخرة جدَّاَ مِن الليل، وطرحت فيها قضايا كثيرة تنوعت وتشعبت. وقد قضى شنّيب فِي ولايّة ميتشجان يومين كاملين والتقيته خلال هذه المدة ثلاث مرَّات ودار بيني وبينه حوار قصير أكثر مِن مرَّة، واستمعتُ إِلى إجاباته حينما سأله بعض الرِّفاق والأصدقاء ثمّ إِلى تحليلاته وآرائه حول عدد مِن الموضوعات والقضايا.
وأتذكر أن النقاش الّذِي دار بين الحاضرين فِي بيت عاشور الشويهدي، كان ثرياً عميقاً متعدد الإبعاد ومتشعب الجوانب، شمل السّياسة والتاريخ ومراحل الجهاد الِلّيبيّ المختلفة. تعرض الأستاذ عزيز شنّيب لأسباب استقالته وذكر الكثير مِن الحقائق والمعلومات عَن نظام معمّر القذّافي ثمّ أبعاد وأسس سياسة نظام القذّافي الخارِجِيّة التي استهدفت أمن واستقرار المنطقة فضلاً عَن كشفه لمحاولات النظام التي استهدفت حياة بعض الشّخصيّات العربيّة. وتحدث عَن مراحل الجهاد الِلّيبيّ ورجالاته ابتداءً مِن المُواجهات المُسلحة المُتواصلة فوق الأرض ضدَّ قوَّات الغزو الإيطالي، ثمّ تأسيس جيش التَّحرير (الجيش السّنوُسي) فِي المنفى ومشاركته إِلى جانب قوَّات الحلفاء فِي دحر القوَّات الإيطاليّة الغازيّة، ثمّ تمسك القوى الوطنيّة المُنظمة والأوساط الشّعبيّة بالثوابت الوطنيّة فِي الاستقلال والسّيادة والوحدة، ومقاومتهم لمشاريع التقسيم والوصايّة والانتداب، ثمّ خوض معركة الاستقلال فِي أروقة الأمم المتَّحدة ونجاح الوفود الِلّيبيّة المُرسلة للهيئة الأمميّة والتي تشكلت مِن المؤتمر الوطنيّ البرقاوي والمؤتمر الوطنيّ الطرابلسي وحزب الاستقلال، فِي الحصول على القرار رقم (289) بتاريخ 21 نوفمبر / تشرين الثّاني 1949م والقاضي باستقلال ليبَيا فِي موعد أقصاه الأوَّل مِن يناير / كانون الثّاني 1952م. وتحدث عَن تأسيس الدولة الِلّيبيّة وحادثة مقتل العقيد إدْريْس أحمَد العيساوي التي شغلت الشّارع الِلّيبيّ وقتئذ وكانت لها انعكاساتها فِي صفوف الجيش، بصفة العيساوي نائب رئيس أركان الجيش الِلّيبيّ والّذِي أطلقت عليه رصاصات مِن جهة مجهولة يوم الاثنين 10 ديسمبر / كانون الأوَّل 1962م حينما كان متوجهاً إِلى مقر الكليّة العسكريّة الملكيّة فِي بّنْغازي، وأصابته فِي مقتل لكنه لم يمت فِي حينها حيث نُقل إِلى المستشفى فِي محاولة لإنقاذ حياته ولكن مشيئة الله كانت نافذة.. وبعْد وفاته، أعلن الزعيم نوري الصّديق بِن إسماعيل (1924م - 15 سبتمبر / أيّلول 2008م) رئيس الأركان، حالة الطوارئ فِي صفوف الجيش. وتحدث عَن إلغاء النَّظام الإتحادي (النَّظام الفيدرالي) بموجب التعديلات الدّستوريّة الصّادرة بتاريخ 26 أبريل / نيسان 1963م وكيف ساهم هذا التعديل فِي إنجاح عمليّة استيلاء معمّر القذّافي على السّلطة فِي سبتمبر / أيّلول 1969م !. وتحدث عَن تقارير مفصلة وصلت إِلى الجهات الأمنيّة بشأن القذافي ومجموعته ولكن القيادة لم تتحرَّك حينها ضدَّهم وتأخذ تلك التقارير على محمل الجد، وأشياء مختلفة أخرى فكان حديثه فِي مجمله شيقاً ومثيراً ومُلفتاً للاهتمام وكان الحضور يصغي إليه بانتباه شديد ومستمتعاً بحديثه وبسرده للأحداث.
ولا يفوتني هُنا أن أشير إِلى أن جزءاً ممّا سمعت في تلك السهرة لم يرق ليّ بتاتاً كاعتبار الأستاذ عزيز شنّيب السنوات الممتدة مِن عَام 1967م إِلى عَام 1969م سنوات غليان وصل الفساد السّياسي والفساد المادي (Corruption) فيها إِلى درجة كبيرة ومرحلة غير مقبولة على الإطلاق، وأن التغيير كان متوقعاً ومنتظراً، وأن المَلِك إدْريْس السّنوُسي (1890م - 25 مايو / أيّار 1983م) رحمه الله وصل فِي عَام 1969م إِلى سن متأخرة جدَّاً ولم يكن وقتها قادراً على السّيطرة على البلد وأن الكثير مِن تعييناته وترقياته بل حتَّى إدارته للبلد كان خاضعاً للعاطفة أكثر مِن أيّ شيء أخر، مؤكداً على أنه شخصيّاً كان يتطلع للتغيير رغم أنه يحب المَلِك إدْريْس ويعتبره الأب المُؤسس للدولة الِلّيبيّة وأنه كان ينتمي إِلى النَّظام الملكي حيث أن أسرته أسرة ملكيّة بكلِّ المعايير وأن والده كان أحد رفاق السّيّد إدْريْس ومديراً لمكتبه وقتما كان أميراً ثمّ رئيساً لديوانه بعدما أصبح ملكاً.
وَالخلاصة، كان عمري وقت وقوع الإنقلاب تسع سنوات، ولم أكن وقتما التقيت بالأستاذ عزيز شنّيب على إطلاع كافي بالتاريخ الِلّيبيّ، ولذا فضلت الاستماع إليه ولم أناقشه رغم أن جزءاً ممّا سمعته فِي تلك السهرة لم يرق ليّ بتاتاً، وكان اعتقادي بأن التطلع إِلى التغيير الّذِي تحدث عنه الأستاذ عزيز لم يكن سببه فساداً أو ظلماً أو أحوالاً معيشية سيئة لأن أوضاع الِلّيبيّين حينئذ كانت على خير ما يرام إنّما كان مرجعه التعلق بشخص الرئيس جمال عبْدالناصر والاستجابة لتحريضاته ضدَّ الأنظمة الملكيّة وَعلى رأسها النَّظام الملكي فِي ليبَيا، وَمِن ناحيّة أخرى - كنت ولازالت - لا أقبل كلاماً سلبياً فِي حق سيِّدي إدْريْس لاعتقادي فِي تقواه وصلاحه، وإن اتُّهِمت بأني إنْسَان عاطفي حيث لا أستطيع مطلقاً إخفاء محبتي له وعاطفتى تجاهه.
وبغض النظر عَن هذه الجزئية وجزئية تراجع الأستاذ عزيز شنّيب فِي العام 2002م عَن تصريحه بخصوص تغييب الإمام موسى الصّدر ورفيقيه الشّيخ محَمّد يعقوب والصّحافي عباس بدر حيث اتهم فِي إفادته الأولى فِي شهر يوليو / تموز 1983م معمّر القذّافي ونظامه بتغييب الإمام ورفيقيه ثمّ قتلهم ودفنهم فِي ليبَيا بعْد فترة بسيطة مِن وصلوهم إِلى طرابلس يوم الجمعة الموافق 25 أغسطس / آب 1978م، وقد تراجع في إفادته الثّانيّة عَن هذا الاتهام قائلاً أن أجهزة استخباراتيّة ضلّلته !!. ويذكر أن نظام القذّافي كان يُصر على أنّ الإمام ومرافقيه غادروا الأراضي الِلّيبيّة وتوجهوا إِلى إيطاليا ولكن الأستاذ عزيز قدم فِي تصريحاته الصحفيّة الأولى والحوار الّذِي أجرته مع مجلّة (الإنقاذ) تفاصيل تؤكد على اغتيال الإمام ورفيقيه فِي ليبَيا وبأوامر صدرت مِن معمّر القذّافي مباشرة.
وَنهاية القول، صرح الأستاذ عزيز شنّيب يوم الثلاثاء الموافق 17 سبتمبر / أَيـلول 2002م لقناة نيو تي في (New TV)، فقال للمذيعة داليا أحمَد: ".. كنت ضحية لعبة استخبارتيّة يوم اتهمت القذّافي بتغييب الإمام الصّدر ورفيقيه مؤكداً أن تصريحه هذا لا يعني تبرئة القذّافي مِن التهمة ولكنه اليوم لا يتهم ولا يبرئ القذافي من هذه الجريمة..!".
وعليه، لا استطيع حقيقة التأكيد عن سبب بعينه دفع الأستاذ عزيز إِلى الإدلاء بهذا التصريح ولا يمكن ليّ اعتباره حجة له أو حجة عليه إنّما ما أنا متأكد منه حقيقة موقفه مِن نظام القذّافي والثمن الغالي الّذِي دفعه ثمناً لتحرير الوطن مِن قبضة الاستبداد وإقامة الحكم الوطنيّ الدّستوري الدّيمقراطي. فقد حافظ على موقفه مِن الاستبداد ولم يتراجع عنه مُنذ إعلان معارضته لنظام القذّافي فِي صيف 1983م بل ظلّ مُعارضاً لنظام سبتمبر إِلى آخر رمق فِي حياته، رافضاً دعوات العودة مِن النَّظام فظلّ فِي مهجره بمِصْر إِلى أن وافاه الأجل المحتوم بعيداً عن وطنه ملعب ذكرياته وموطن أهله وذاكرته. ولم يرجع إِلى وطنه مُنذ إعلان استقالته فِي يوليو / تموز عام 1983م مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى المملكة الأردنيّة وانضمامه إلى صفوف المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج، وقد وافاه الأجل المحتوم خارج الوطن بمرض لم يمهله طويلاً، وقبل أن تتحقق أمنية عودته لوطن كان يحلم دائماً أن يراه حرَّاً عزيزاً مستقلاً، وآمنا وواعداً فِي نفس الوقت.
حلمت بأنك يا وطني *** بطلٌ في عرسِ الأزمانِ
وبأنك أمٌّ تحملني *** طفلاً في زورق ريحانِ
وبأنك فردوسٌ يزهو *** بجمالِ حِماك الثَّقَلان
تزهو وكأنك فِي الدنيا *** فيضٌ مِن نورِ الرحمان (2)
ينحدر عزيز شنّيب مِن عائلة ربطتها علاقات وثيقة بالسّنوُسيّة وبالمَلِك إدْريْس السّنوُسي شخصيّاً، ولها إسهاماتها الوطنيّة المُسجلة فِي صفحات التّاريخ الِلّيبيّ فوالده كان مديراً لمكتب الأمير إدْريْس السّنوُسي ومسئولاً عَن إنشاء الجيش السّنوُسي فِي صيف عَام 1940م، ورئيساً لوفود ليبَيا بهيئة الامم المتَّحدة التي حققت بعون الله وفضله استقلال البلاد، ثمّ رئيساً للديوان الملكي، وأوَّل وزير للدفاع فِي تاريخ ليبَيا. وكان مِن أبناء عائلته وزراء معروفين ورؤساء محاكم ومدراء مؤسسات هامّة.
درس عزيز شنّيب فِي (مدرسة الزاويّة العسكريّة) وتحصل بعد تخرجه على رتبة ملازم ثان، ثمّ درس فِي أكاديميّة ساندهيرست الملكيّة البريطانيّة (Royal Military Academy Sandhurst) أحدى أرقى الكليّات الحربيّة فِي العالم، وتحصل على بكالوريوس العلوم العسكريّة. ودرس فِي الكليّة العسكريّة فِي القاهرة وتحصل على درجة الماجستير فِي العلوم العسكريّة. وعملَ حوالي خمسة عشر عاماً فِي الجيش الِلّيبيّ وتدرج فِي رتبه العسكريّة إِلى رتبة عقيد ركن والتي نالها عَام 1968م فِي ذكرى تأسيس الجيش الِلّيبيّ، وقد اتصف بالانضباطيّةِ فِي العمل والأداء، ووُصف بأنه عسكري مِن طراز رفيع ورجل دولة بامتياز. أتقن عدة لغات إجادة تامّة تحدثاً وكتابةً، وأحبّ الشعر العربيّ الفصيح حيث نشأ فِي عائلة تعشق الأدب وأنجبت عدداً مِن الشعراء الأفذاذ. نجح نجاحاً باهراً فِي قطاع الأعمال بعْد دخوله المجال التجاري حيث أصبح فِي غضون شهور وكيلاً تجارياً لعدة شركات عالميّة كبيرة مِن بينها أهمّ الشركات الألمانيّة واليابانيّة والأمريكيّة فِي سبعينات القرن المُنصرم. أُعتقل لمدة أربع سنوات وشهرين بعْد استيلاء الدّكتاتور على السّلطة فِي الأوَّل مِن سبتمبر / أيلول 1969م، ثمّ فُرضت عليه الإقامة الجبريّة لمدة ستة أشهر. عارض نظام معمّر القذّافي، وكان مُناضلاً ثابتاً على مبدأه مِن أجل رفع الظلم عَن كاهل شعبه الّذِي ابتلاه الله باسوء دكتاتور عرفته المنطقة العربيّة فِي تاريخها المعاصر والّذِي مارس على شعبه أبشع أنواع القتل والجريمة والحرمان.
نقف اليَوْم لنروي تفاصيل حكاية عزيز شنّيب لأن فِي حكايته قصّة عائلة لها تاريخها الضارب بجذوره فِي أعماق التاريخ الِلّيبيّ.. وقصّة وطن حكمه دكتاتور لمدة اثنين وأربعين عاماً.. وقصّة رجل دولة سجل موقفاً وطنيّاً مُشرّفاً مِن الدّكتاتوريّة وحُرم مِن رؤيّة وطنه لسنوات طويلة جدَّاَ ووافاه الأجل المحتوم مشرّداً خارج ليبَيا التي سكنته روحاً ووجداناً.
ونقف أمام رجل تعامل مع قسوة الزمان وتبدل الحال بقبولِ ورضا تامّ حيث عاش ظروفاً صعبة قاسيّة وتعرض لضائقة ماليّة طاحنة بعدما كانت ظروفه الماديّة جيدة جدَّاً ويعيش فِي رغد مِن العيش. ونروي قصّة مُناضل ترك ورائه مَا يستحق أن يدون ويروى حفاظاً على التّاريخ وحق الأجيال المقبلة فِي المعرفة والإطلاع على تجارب يستفاد منها ويستنار بهداها.
سيظل ذكرك رغم موتك باقياً *** نشدو به ونجلّه.. ونصونه (3)
فِي البَدْء لابُد مِن كَلِمَة
كانت الحركة الطلاّبيّة سيدة الميدان النَّضالي فِي سنوات طويلة مِن حكم القذّافي الظالمة المظلمة، وكان الطلاّب هم فرسان ساحة العمل الوطنيّ بامتياز حيث كانت المظاهرات الطلاّبيّة تخرج سلميّة ثمّ مَا تلبث أن تنقلب دمويّة حيث رصاص قوَّات نظام القذّافي وكتائبه الأمنيّة. وبعْد قمع النَّظام لانتفاضتي الطلبة عامي 1975م و1976م، بادر أبناء الحركة الطلاّبيّة بعقد لقاءات هامّة خارج البلاد شكلت نقطة تحول فِي مسار العمل الوطنيّ الِلّيبيّ حيث تظاهروا فِي الميادين العامّة وأمام مقرات البعثات الدّبلوماسيّة واعتصموا فِي السفارات ثمّ أسسوا فروع اتحاد عَام طلبة ليبَيا فِي الولايّات المتَّحدة وبعض الدول الأوربيّة والعربيّة ثمّ ساهموا فِي تأسيس كيانات سياسيّة نضاليّة تحملت عبء النَّضال الوطنيّ سنوات طويلة مِن الزمان.
بدأ الصدام بين سلطات إنقلاب سبتمبر والحركة الطلاّبيّة سنة 1975م حينما اعترض الطلبة على محاولات النَّظام للاستحواذ على مقاعد الهيئة الإداريّة والسّيطرة على اتحاد الطلاّب وتوظيفه لخدمة أغراض السّلطة الحاكمة، ومحتجين على سياسات النَّظام بتطبيق الخدمة العسكريّة فِي أوقات لا تتناسب مع ظروف القطاع الطلاّبي، وبطريقة لا تخدم الهدف السّامي. وَفِي بداية شهر يناير / كانون الثّاني 1976م، انتفض الطلاّب مجدّداً لعدة أيّام، وانطلقت انتفاضتهم مِن جامعة بّنْغازي ثمّ انتقلت إِلى شوارع وسط المدينة وميدان الشجرة بمدينة بّنْغازي، وامتدت إِلى جامعة طرابلس، احتجاجاً على دكتاتوريّة السّلطة الحاكمة وتدخلاتها السافرة فِي شؤون الحركة الطلاّبيّة. وردت السّلطة بعنف وقمع منقطع النظير على احتجاجات الطلاّب فأطلقت الرصاص الحيّ ثمّ قام جهاز المباحث العامّة فِي السّادس مِن يناير / كانون الثّاني 1976م بإعتقال العشرات مِن الطلبة، وعدد كبير مِن قيادات الحركة الطلاّبيّة كان مِن بينهم: عُمر علي دبّوب، محَمّد الطيب بِن سعود، اللذان أعدما شنقاً فِي ميدان الكنيسة أو مَا يُسمّى وقتئذ بـ(ساحة الاتحاد الاشتراكي) ببنغازي فِي 7 أبريل / نيسان 1977م.
هذا، وكان معمّر القذّافي قد صرح فِي خطاب له قبل عمليّة الإعدام بالتالي: ".. أنا سئمت قطعاً مِن الجامعات والكتابات والاتحاد الّذِى كونتموه، الآن وجب تشكيل لجان ثوريّة تقوم بتطهير القاعدة الطلاّبيّة ان أرادوها بسلام وإلاّ فلتكن بالدّم، أنا قرأت المنشورات التى يكتبها بعض الهلافيت هُنا فِى الجامعة وقد جاء الوقت لقطع أيديهم ثمّ قطع رقابهم..".
تضامن الطلبة الدّارسون فِي الخارج مع مطالب الحركة الطلاّبيّة التي رفعها طلاّب الدّاخل فتظاهروا أمام السفارات ومقرات السّلطة فِي عواصم العالم المختلفة ثمّ اعتصموا فِي بعض السفارات محتجين على حملة القمع الواسعة التي كان يمارسها نَّظام القذّافي ضدَّ طلاّب الجامعات الِلّيبيّة فِي بّنْغازي وطرابلس، ومطالبين برفع وصاية الدولة عَن الاتحاد. ويذكر أن السّلطة ضاقت ذرعاً بالاحتجاجات الطلاّبيّة فِي الخارج لدرجة أن السفير الِلّيبيّ فِي مِصْر آنذاك – وهُو ضابط يدعى ميلود – أطلق الرصاص على الطلبة المعتصمين فِي السفارة الِلّيبيّة بالقاهرة لتفريقهم وفض اعتصامهم.
أحتل الطلبة الدَّارسون فِي جمهوريّة مِصْر العربيّة فِي 8 يناير / كانون الثاني 1976م مبنى السفارة الِلّيبيّة بالقاهرة ثمّ قاموا فِي إبريل / نيسان 1976م باعتصام فِي مقر مكتب العلاقات احتجاجاً على ملاحقة النَّظام لطلبة الثانويّة والجامعة والتنكيل بهم. وقام الطلبة الدَّارسون فِي الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة بجملة مِن الاحتجاجات وطالبوا بإطلاق سراح المُعتقلين، ومحاكمة الجناة مِن عناصر النّظام، ورفع الوصايّة على الاتحاد العام لطلبة ليبَيا. وقد أحتل الطلبة الدَّارسون فِي الولايّات المتَّحدة السفارة في واشنطن فِي يناير / كانون الثاني 1976م كذلك فعل الطلبة الدَّارسون فِي بريطانيا حيث احتلوا مبنى السفارة فِي لندن بتاريخ 12 يناير / كانون الثاني 1976م.
وبعْد هذه الأحداث مباشرة، التقى عدد مِن الأشخاص الّذِين شاركوا فِي النشاط الطلاّبي مع بعض المُناضلين والوطنيين والسياسيين، فِي عدد مِن البلدان والعواصم الأوربيّة، وكانت تلك اللقاءات نقطة البداية فِي تأسيس مُعارضة وطنيّة متعددة الأطياف أعلنت عَن نفسها فِي أواخر السبعينات وبداية الثمانينات. ومثل القطاع الطلاّبي والحركة الطلابيّة العمود الفقري للمُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج مُنذ صدور البيان التأسيسي لفرع الاتحاد بالولايّات المتَّحدة الأمريكيّة فِي 26 إبريل / نيسان 1980م (4) وتأسيس فروع الاتحاد فِي المملكة المتّحدة وألمانيا وجمهوريّة مِصْر العربيّة وغيرها مِن البلدان الأخرى.
انعقد المؤتمر الأوَّل لإعادة بناء وتنظيم فرع الاتحاد فِي أمريكا بولاية ميزوري (Missouri)، فِي ديسمبر / كانون الأوَّل 1981م والّذِي بدأ بكلمة ألقاها الأستاذ بشير أحمَد الزروق الأمين العام للجنة التأسيسيّة لاتحاد عَام طلبة ليبَيا فرع الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة. وانتهت أعمال المؤتمر بنجاح ولكن المؤتمرون اخفقوا فِي انتخاب رئيس الفرع والهيئة الإداريّة ولذا اتفقوا على تشكيل (لجنة تسييرية) تتكفل بالإشراف على تسيير الأعمال إِلى انعقاد المؤتمر فِي دورته الثّانيّة. انعقد المؤتمر الثّاني فِي ولايّة كولورادو (Colorado) فِي شهر أغسطس / أب 1982م، وانتهت أعماله بانتخاب رئيس ونائب له وأربعة أمناء هم: أمين التنظيم، وأمين الاعلام والصحافة، وأمين الشؤون الإداريّة والماليّة، وأمين العلاقات العامّة. وفِي الثالث مِن مايو / أيّار 1983م، تمّ تسليم محضر جلسات اللّجنة التأسيسيّة التي ترأسها الأستاذ بشير الزروق إِلى الأستاذ فائز عبْدالعزيز جبريل رئيس فرع الاتحاد العام لطلبة ليبَيا بالولايّات المتَّحدة الأمريكيّة، حيث سلّم الأستاذ عصام عبْدالمولى لنقي الأمين الإداري باللّجنة التأسيسيّة محضر الجلسات إِلى رئيس الفرع الّذِي تمّ انتخابه فِي مؤتمر كولورادو صيف 1982م (5).
وَالحَاصِل، كان فرع الاتحاد فِي أمريكا على مدار خمسة عشر عاماً، ومِن انعقاد المؤتمر الأوَّل إِلى أخر مؤتمر سنوي للفرع أنعقد فِي ولايّة أوهايو (Ohio State) فِي النصف الأوَّل مِن عَام 995م، مِن أهمّ الرَّوافد التي ساهمت فِي دعم القوى الوطنيّة المُعارضة. علاوة على أن وحدات فرع الاتحاد بالولايّات المتَّحدة الأمريكيّة كانت هي الكيان المُنظم لكثير مِن الحوارات الوطنيّة التي عقدت قبل إعلانات التأسيس لعدد مِن تنظيمات المُعارضة الِلّيبيّة. كمَا كانت مؤتمرات الاتحاد منتدياً سنوياً هاماً مِن منتديات الحوار بين فصائل المُعارضة المختلفة.. وساحةً مفتوحةً أمام كلّ فصائل المُعارضة لعرض أفكارها وبرامجها لإقناع الآخرين بالانضمام إِلى صفوفها.. ومنبراً ديمقراطيّاً لكافة ألوان الطيف السّياسي الِلّيبي فِي الخارج.
وإجمالاً كان الطلاّب قلب رحى الحركة الوطنيّة، فالحركة الطلاّبيّة لم تكن بمنأى فِي ذلك الوقت عَن الأحداث التي كانت تعيشها ليبَيا ولا محاولات السّلطة بالاستحواذ على كلّ شيء فِي البلاد حيث قارع الطلاب الاستبداد مع مَنْ قارعه ونالوا نصيبهم مِن العقاب مثل غيرهم بل كانوا أصحاب المبادرة وكانت الفاتورة التي دفعها الطلاّب هي الأغلى والأعظم. ولاشك أن الحركة الطلاّبيّة لعبت دوراً وطنيّاً عظيماً وكانت هي رأس حربة الحركة الوطنيّة الِلّيبيّة مُنذ الستينات إِلى مطلع التسعينات، ولكن دورها الآن تراجع إِلى حد كبير - ومع الأسف الشديد - حيث لم نشهد تفاعلها مع ثورة السّابع عشر مِن فبراير ولا مع الأوضاع الجديدة التي أفرزتها بعد ذاك، وهذا لا يعني عدم تفاعل الشباب الّذِين هم بطبيعة الحال طلاّب، مع الثورة وأحداثها لأن الشباب كانوا وقود الثورة وعمودها الفقري، إنّما دور الحركة الطلاّبيّة تراجع كثيراً فِي الآونة الأخيرة لدرجة أنه يكاد يكون منعدماً أو غائباً عَن المشهد، ومُنذ ذلك التاريخ المُشار إليه.
وَمِن جهة ثانيّة، انضم عدد مِن الدّبلوماسيّين إِلى حراك الطلاّب المذكور حيث تميزت الفترة الممتدة مِن منتصف السبعينات إِلى منتصف الثمانينات بالحركة النشطة وعقد العديد مِن المشاورات والحوارات، وإعلان بعض الشخصيّات الدّبلوماسيّة انفصالها عَن نَّظام القذّافي وانضمامها لصفوف معارضيه. وبعْد موقف الطلبة وتحركهم باتجاه خلق تيار وطنيّ قادر على مجابهة الاستبداد، وبعْد ردة فعل نظام معمّر القذّافي على معارضيه فِي الدّاخل وملاحقتهم فِي الخارج حيث شهدت عواصم أوروبا صيف عَام 1980م جرائم قتل ارتكبت فِي حق الكثير مِن الشرفاء الِلّيبيّين، اتخذ بعض رجال السّلك الدّبلوماسي موقفاً وطنيّاً مُشرّفاً تمثل فِي انشقاقهم عَن نظام معمّر القذّافي وانضمامهم إِلى صفوف المُعارضة الوطنيّة بل ساهم أولئك الرجال فِي تأسيس تنظيمات وطنيّة وكيانات سياسيّة تحملت عبء النَّضال والمواجهة لمدة طويلة مِن الوقت امتدت لأكثر مِن ثلاثة عقود مِن الزمان.
وكانت البداية عندما أعلن الدّكتور محمود سُليْمان المغربي (1935م - 17 يوليو / تموز 2009م) (6) استقالته مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى المملكة المتَّحدة فِي منتصف السبعينات، وانضمامه إِلى صفوف المُعارضة الوطنيّة فِي الخارج ثمّ ترأس (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطي الِلّيبيّ) الّذِي نتج عَن اندماج (التجمع الوطنيّ الليبيّ) و (الحركة الدّيمقراطيّة الِلّيبيّة) عقب انعقاد المؤتمر الوطنيّ بالمملكة المغربيّة فِي سبتمبر / أيّلول 1981م.
وَفِي 31 يوليو / تموز 1980م، أعلن الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف استقالته مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى جمهوريّة الهند وانفصاله عَن نظام القذّافي احتجاجاً على انتهاكات حُقوق الإنْسَان وتدمير مؤسسات البلاد ثمّ تزعم (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) التي أعلن عَن تأسيسها فِي 7 أكتوبر / تشرين الأوَّل 1981م. ويذكر أن أثنين مِن أعضاء البعثة الدّبلوماسيّة فِي السفارة الِلّيبيّة بجمهوريّة الهند وهما: المُستشار عبْدالسّلام علي عيلة والأستاذ علي زيدان كانا قد استقالا مِن منصبيهما عقب استقالة الدّكتور محَمّد المقريَّف.
وفِي أغسطس / أب 1980م، استقال الأستاذ منصُور رشيد الكيخيّا (1931م - 1997م) مِن منصبه كمندوب دائم لليبَيا لدى الأمم المتَّحدة، احتجاجاً على قيام نظام القذّافي بإعدام بعض المُعارضين السّياسيين فِي تلك السنة، ثمّ ساهم فِي تأسيس (التحالف الوطنيّ الِلّيبيّ) الّذِي أعلن عنه رسميّاً سنة 1986م وأنضم إليه عدد مِن تنظيمات وفصائل المُعارضة، بالإضافة إِلى عدد مِن المستقلين، واختير الأستاذ منصُور فِي ذلك العام أميناً عاماً له، وظل فِي منصبه حتّى عشية اختطافه أو اختفائه مِن القاهرة فِي 10 ديسمبر / كانون الأوَّل 1993م.
وفِي فبراير / شباط 1981م، أعلن الأستاذ أحمَد إبراهيم إحواس (1938م - 6 مايو / أيّار 1984م) استقالته مِن منصبه كقائم بالأعمال فِي غويانا، وانضمامه إلى المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج ثمّ شارك فِي تأسيس (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا)، وخلال انعقاد جلسات المجلس الوطنيّ الأوَّل لجبهة الإنقاذ فِي صيف 1982م فِي المملكة المغربية، تمّ انتخابه مفوضاً عسكرياً، ضمن أثنى عشر (12) عضواً انتخبوا لعضويّة اللجنة التنفيذيّة. وقد أستشهد الحاج أحمَد إحواس خلال المصادمات مع عناصر نظام القذّافي على مشارف مدينة زوارة فِي 4 شعبان 1404 هجري الموافق 6 مايو / أيّار 1984م.
ويذكر أن الأستاذ جاب الله حامد مطر كان قد أعلن معارضته لنظام معمّر القذّافي فِي عَام 1981م وهُو ضابط سابق ودبلوماسي كان ضمن أعضاء البعثة الِلّيبيّة فِي (الأمم المتَّحدة) فِي نيويورك مِن عَام 1971م إِلى 1974م، ترأس تنظيم مُعارض عُرف باسم (جيش الإنقاذ)، ثمّ انضم إِلى (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) وصار أحد قيادييها وأختفى مِن القاهرة التي كان يقيم فيها هُو ورفيقه المُناضل عزّات يُوسف المقريَّف حيث اختفيا فِي مارس / آذار 1990م بعد أن اقتيدا مِن منزلهما فِي القاهرة مِن طرف الأمن المصري وتمّ تسليمهما إِلى سلطات النَّظام فِي ليبَيا. قيل أنهما قضيا نحبهما فِي المجزرة الجماعيّة التي وقعت فِي سجن أبوسليم بطرابلس يوم 29 يونيه / حزيران 1996م والتي راح ضحيتها نَحْو (1269) معتقل معظمهم مِن سجناء الرأي. ولم يكشف عَن مصير مطر والمقريَّف بشكل رسمي إِلى الآن بالرَّغم مِن مرور حوالي أربع سنوات عَن إسقاط نظام العقيد معمّر القذّافي.
أيْضاً، استقال الأستاذ إبراهيم عبْدالعزيز صهّد فِي 25 أغسطس / أب 1981م مِن منصبه كقائم بالأعمال فِي السفارة الِلّيبيّة بالأرجنتين وأعلن انضمامه إِلى المُعارضة الِلّيبيّة، وتمّ انتخابه فِي صيف 1982م مفوضاً سياسياً للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا، خلال انعقاد المجلس الوطنيّ الأوَّل لجبهة الإنقاذ فِي المملكة المغربية.
وَفِي يوليو / تموز 1983م، استقال الأستاذ عزيز عُمر فائق شنّيب (1936م - 2 يناير / كانون الثّاني 2003م) مِن منصبه كسفير لليبَيا فِي المملكة الأردنيّة الهاشمية، وأعلن انضمامه إِلى المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج ثمّ انضمامه رسميّاً إِلى صفوف (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) فِي مؤتمر صحفي عقده فِي السّودان بتاريخ 22 سبتمبر / أيّلول 1983م.
وَفِي أواخر مايو / أيّار 1984م، استقال الأستاذ عاشور سَعْد بِن خيال مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى كوريا الجنوبيّة، وأعلن انضمامه إلى المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج ثمّ شغل منصب نائب الأمين العام لـ(التحالف الوطنيّ الِلّيبيّ) الّذِي كان يترأسه الرَّاحل الكبير منصُور رشيد الكيخيّا، وبعدها ترأس (المؤتمر الوطنيّ للمُعارضة الِلّيبيّة) فِي دورتيه سنه 2005م / 2008م وشغل فيه رئيس هيئة المتابعة إِلى أن قامت ثورة السّابع عشر مِن فبراير التي أطاحت بنظام العقيد معمّر القذّافي.
وفِي النصف الأوّل مِن الثمانينات أيْضاً، استقال الأستاذ عزالدّين الغدامسي (تُوفي فِي شهر مارس / آذار 2008م) (7) مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى النمسا وأعلن انضمامه إِلى المُعارضة الِلّيبيّة ثمّ أصبح ناطقاً رسميّاً باسم (هيئة التنسيق للقوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة الِلّيبيّة)، وقد تعرض فِي الثامن والعشرين مِن فبراير / شبّاط 1985م لمحاولة اغتيال على يد حركة اللّجان الثوريّة العالميّة. كذلك، استقال الأستاذ عبْدالسّلام عزالدّين المدني (8) مِن منصبهِ كقائم بالأعمالِ فِي بوخارست عاصمة رومانيا، وأعلن انضمامه للمُعارضة الِلّيبيّة وتنقل بين (حركة الكفاح الوطني) ثمّ (جيش الإنقاذ) إِلى أن انضم إِلى (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) فِي أواخر الثمانينات والتي استقال منها هي الأخرى مع المجموعة التي انشقت عَن جبهة الإنقاذ فِي 11 فبراير / شبّاط 1994م وأسست فِي 13 مارس / آذار 1994م (الحركة الِلّيبيّة للتغيير والإصلاح) التي تزعمها الأستاذ إبريك عبْدالقادر اسويسي.
ويضاف إِلى هذه المجموعة المُستشار حسن سليم المنصوري الّذِي استقال مِن منصبه فِي السفارة الِلّيبيّة في جمهوريّة ألمانيا الإتحاديّة.. واستقال السفير بوزارة الخارِجِيّة الِلّيبيّة السّيِّد الرَّاحل خليفة عبْدالمجيد المنتصر الّذِي كانت السّودان آخر محطّة له فِى عمله الدّبلوماسي (سفير ليبَيا بالسّودان)، والّذِي انضم لمعارضي معمّر القذّافي وعاش فترة قصيرة فِى مِصْر ثمّ انتقل إِلى العراق والتي ظلّ بها إِلى أن وافته المنية هُناك، وقد حضر الدّورة الثّانيّة للمجلس الوطنيّ للجبهة الوطنيّة لإٌنقاذ ليبَيا فِي بغداد عَام 1985م.. واستقال الدّبلوماسي سَالم عبْدالرَّحمن السعيطي مِن منصبه فِي البعثة الِلّيبيّة بالأمم المتَّحدة فِي نيويورك بتاريخ 21 شعبان 1408 هجري الموافق 1 أبريل / نيسان 1988م وأعلن عَن انضمامه إِلى صفوف (الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا) فِي مؤتمر صحفي تناقلته وسائل الإعلام المختلفة.
ورُبّما الأمر يستدعي ذكر حالتين مختلفتين فِي سياق رصد الاستقالات التي تمّت فِي السلك الدّبلوماسي (9)، الحالة الأولى: استقالة السّيِّد الوافي امبية مِن الخارِجِيّةِ والّذِي عمل فِي السّلك الدّبلوماسي وكان سفيراً مُفوضاً فِي وزارة الخارِجِيّة الِلّيبيّة ثمّ مستشاراً سياسيّاً في قيادة الجيش الِلّيبيّ، والّذِي تمّ اعتقاله فِي عَام 1993م فِي قضية (أكتوبر) التي استهدفت نظام القذّافي الاستبدادي، وعُرفت بقضيّة (ورفلة) وكانت على صلة بالمعارضة الِلّيبيّة بالخارج، وقد حكمت المحكمة العسكريّة الجائرة على السّيِّد الوافي بالسجن لمدة عشر سنوات إلاّ أن معمّر القذّافي أصر على إعدامه فأعدم فِى صيف 1999م. والحالة الثّانيّة: استقالة الأستاذ مُصْطفى مناع مِن الخارِجِيّةِ الِلّيبيّة رافضاً استخدام السفارات كأداة مِن أدوات القمع وملاحقة مُعارضي النَّظام، وقد عمل مناع فِي سفارتي طوكيو ولندن فاستقال مِن السّلك الدّبلوماسي ليستقر فِي الخارج دون أن ينضم إِلى صفوف المُعارضة الِلّيبيّة فِي المنفى.
وبناءاً على هذا يُمكننا القول بأن دور رجال السّلك الدّبلوماسي كان حاضراً بقوَّة فِي زمان النَّضال ضدَّ جبروت القذّافي وطغيانه فقد تخلى بعض رجالات الدّبلوماسيّة الِلّيبيّة - فِي زمن صعب جدَّاً - عَن مرتباتهم الجيدة وامتيازاتهم وحياتهم المريحة، وانحازوا لقضيّة شعبهم وبلادهم، ولعبوا دوراً سياسياً نضاليّاً بارزاً فِي العديد مِن مراحل النَّضال التي شهدها الوطن إبّان عهد معمّر القذّافي.
وَفِي هذا السّياق تجدر الإشارة إِلى أن بعض رجالات السلك الدّبلوماسي سجلوا موقفين تاريخيين هامين يصلحان لاستجلاء الموقف المطلوب مِن عقلاء القوم حينما يمر الوطن بأزمة خطيرة تهدد حاضره ومُسْتقبله، الموقف الأوَّل حينما استدعت الضرورة لأخذ زمام المبادرة فِي مواجهة سياسات القذّافي الدّكتاتوريّة الهدامة وتأسيس كيانات وطنيّة تسعى للتأثير فِي مجريات الأمور وإيصال صوت الِلّيبيّين الحرَّ لجميع شعوب العالم وكافة الدول والمُنظمات الأمميّة.. والثّاني حينما استدعى الواجب الانحياز إِلى الشّعب وثورته، والانفصال عَن نظام استبدادي أوغل فِي سفك دماء شعبه، والإعراب عَن الرفض التَّام للعنف والإرهاب.
استقال عدد مِن السفراء والدّبلوماسيّين وأعضاء البعثات الِلّيبيّة المختلفة حول العالم بعْد اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير، وأعلنوا انضمامهم للثورة، معربين عَن عدم رضاهم بالبقاء أداة طيعة بأيدي سلطات القذّافي التي امعنت في تدمير البلاد وقتل أبناء الشّعب الِلّيبيّ ونهب ثرواته. وبدأت تلك الاستقالات باستقالة سفيري ليبَيا فِي جمهوريّة الهند والولايّات المتَّحدة الأمريكيّة حيث استقال الأستاذ علي عبْدالعزيز العيساوي مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى الهند يوم الثلاثاء الموافق 22 فبراير / شباط 2011م وفي نفس اليوم استقال أيْضاً الأستاذ علي سُليْمان الأوجلي مِن منصبه كسفير لليبَيا لدى الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة. ويذكر أن البعثة الِلّيبيّة فِي نيويورك كانت قد انشقت بالكاملِ على نظام القذّافي، باستثناء عبْدالرَّحمن محَمّد شلقم مندوب ليبَيا الدائم لدى الهيئة الأمميّة، حيث اختار التوقيت المناسب لانشقاقه على نظام معمّر القذّافي وانضمامه لثورة السّابع عشر مِن فبراير. ورُبّما يكون الأستاذ إبراهيم عُمر الدباشي، نائب المندوب الدّائم لليبَيا بالأمم المتَّحدة فِي نيويورك، أوَّل دبلوماسي ليبي يعلن انضمامه لثورة السّابع عشر مِن فبراير، ويطالب معمّر القذافي بالرّحيل ويصفه بالطاغيّة، وذلك فِي بيان ألقاه أمام وسائل الاعلام يوم 21 فبراير / شباط 2011م.
عُموماً، توالت استقالات السفراء وأعضاء البعثات الدّبلوماسيّة المختلفة، وكانت استقالة الأستاذ عبْدالرَّحمن شلقم علامة فارقة فِي تاريخ تلك الاستقالات التي شملت الكثير مِن الدّبلوماسيين.
أدان شلقم، القذّافي بشدة، في كلمة توجه بها يوم الجمعة الموافق 25 فبراير / شبّاط 2011م أمام مجلس الأمن الّذِي عقد اجتماعه لبحث الأوضاع والتطورات فِي ليبَيا ثمّ دعا المجلس فِي كلمته إِلى تحرَّك فوري واتخاذ قرار شجاع بغية حمايّة المدنيين وإيقاف حمام الدَّم وإنقاذ ليبَيا مِن دمار شامل ومصير مجهول. ويُذكر أن كلمة شلقم جاءت مفاجئة أو هكذا وصفت، ويُسجل أنها كانت قويّةً مؤثرةً لدرجة أنها أثارت شجون الوفد الِلّيبيّ الّذِي أجهش أفراده بالبكاء، فاندفعوا نحوه واحتضنوه كذلك فعل أعضاء الوفود الموجودة بالقاعة حيث احتضنوه وصافحوه بحرارة. وكانت كلمته المؤثرة سبباً مِن أسباب صدور القرار الحامل رقم (1970)، حيث أدان مجلس الأمن العنف والقسوة التي يستخدمها نظام القذّافي ضدَّ المدنيين، وأصدر يوم 26 فبراير / شبّاط 2011م القرار المُشار إليه بشأن ليبَيا والّذِي شمل: حظر الأسلحة.. حظر السفر.. تجميد الأموال.. التدابير المتعلقة بمحاولة التصدير غير المشروع للنفط الخام.
وبناءاً على هذا القرار تبنى مجلس الأمن فِي 18 مارس / آذار 2011م بأغلبية كبيرة، القرار رقم (1973) الّذِي يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبَيا، واتخاذ كافة الإجراءات الضروريّة لحمايّة المدنيين. وفِي يوم 19 مارس / آذار 2011م، بدأت قوَّات التحالف الدّوليّ بعمليّاتها ضدَّ قوَّات القذّافي التي أدَّت إِلى إيقاف تقدم كتائب القذّافي نْحَو بّنْغازي وتدمير جزء كبير مِن قوَّاته الجويّة والبريّة، ومع استمرار القصف الجوي لقوَّات التحالف وتصاعد القتال بين الثوار وقوَّات القذّافي فوق الأرض، انتهت الحرب بتحرير المدن الِلّيبيّة بعْد وصول الثوار إِلى مدينة سرت مسقط رأس القذّافي وتحريرها فِي العشرين مِن أكتوبر / تشرين الأوَّل 2011م ثمّ قُتلهم لمعمّر القذّافي فِي اليوم نفسه. وفِي يوم 23 أكتوبر / تشرين الأوَّل 2011م، جرى الإعلان عَن تحرير البلاد وسقوط نظام القذّافي بالكامل، فِي احتفال رسمي أُقيم فِي مدينة بّنْغازي، وقد جاء الإعلان على لسان المُستشار مُصْطفى عبْدالجليل، رئيس المجلس الوطنيّ الانتقالي، وتمّ التأكيد عليه فِي بيان رسمي أطلق عليه (بيان تحرير ليبَيا) تلاه عبدالحفيظ عبْدالقادر غوقة، نائب رئيس المجلس الانتقالي، عقب خطاب عبْدالجليل.
وَبَقي أن أُؤكِّد، أنَّ الحركة الطلاّبيّة لعبت دوراً نضاليّاً مقاوماً للاستبداد وقامت بحملات توعويّة لأبناء الشّعب بحقهم فِى الحريّة والتغيير لتسجل الحركة فِي سنوات وجودها النشطة - وبأحرف منيرة - صفحات مِن تاريخ الحركة الوطنيّة الِلّيبيّة. ولكن دورها اليوم تقلص وتراجع إِلى حدٍ كبير عمّا كانت عليه فِي سبعينات وثمانينات القرن المُنصرم حيث تمسك الطلاّب فِي السبعينات بحريّة العمل النقابي ومطالب الحركة الطلاّبيّة ثمّ تصدت الحركة لمحاولات العبث بوحدة النسيج الوطنيّ، وعملت على التأكيد على روح الوحدة الوطنيّة وإذكاء جذوة النَّضال ضدَّ القمع والاستبداد. وكانت الحركة الطلاّبيّة فِي أواخر السبعينات ثمّ الثمانينات هِي الأساس التي قامت عليه القوى الوطنيّة المُعارضة فِي الخارج والتي أخذت على عاتقها العمل النَّضالي ودعم الجهد الوطنيّ لإسقاط النَّظام الدّكتاتوري.
وَأَخِيْراً، أكتشف الِلّيبيّون بعْد سقوط النَّظام، أن معمّر القذّافي لم يترك جيشاً وطنيّا يحمي تراب الوطن ولا شرطة تحافظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وأن الّذِي كان قائماً فِي البلاد هُو سلطة حاكمة لا دولة بالمفهوم الحديث للدولة. ودخلت البلاد بعْد فترة قصيرة مِن اختفاء معمّر القذّافي ورجال خيمته، متاهات الفوضى وانتشار السّلاح والانفلات الأمني إِلى حد أصبح الوطن مهدد فِي وحدته وأمنه واستقراره. ولا شكّ أن هذه الأوضاع الخطيرة لا يمكن التأثير فيها بحال مِن الأحوال إلاّ مِن خلال مشروع وطنيّ واضح المعالم يبدأ مِن العودة إِلى الشرعيّة الدّستوريّة المتمثلة فِي دستور 1951م بتعديلاته اللاحقة ثمّ بناء قوى وطنيّة موحدة تضمّ كافة الأطياف وقوامها مِن الشباب والشخصيّات الوطنيّة المشهود لها بالنزاهة وحبّ الوطن. ولا يمكن للقوى الوطنيّة أن تلعب الدّور المنوط بعاتقها إلاّ إذا عادت الروح إِلى الحركة الطلابيّة مرَّة أخرى، فالعلاقة بين الاثنين علاقة تشابكية، فإذا نشطت الحركة الطلاّبيّة وأخذت موقعها الطبيعي فِي جسد الحركة الوطنيّة فإن القوى الوطنيّة ستعلب دورها على أكمل وجه وستؤثر حتماً فِي مجريات الأحداث ومَا يواجه الوطن مِن مخاطر وتحديات.
ومُؤكداً، لن يأتي التغيير الحقيقي إلاّ بوجود حركة طلابيّة نشطة ومؤثرة خصوصاً حينما تغيب الأحزاب السّياسيّة أو يكون أداؤها ضعيفاً ولا تمتلك رؤيّة، فتصبح الحركة الطلابيّة هي المحرك الأساسي والمعبر عَن مطالب المجتمع وأهدافه وآماله، وَمِن هُنا تأتي ضرورة الشروع والبدء بإعادة إحياء الاتحادات الطلابيّة داخل ليبَيا وخارجها لأن استمرار غياب العمل الطلاّبى يعنى تقلص دور وحجم تأثير القوى الوطنيّة ومقدرتها على صنع الفارق أيّ التغيير.
وَفِي جانب ثاني أو مِن الصور المحزنة فِي هذا الصدد، غياب صوت الدّبلوماسيّين فِي وقت يحتاج الوطن فيه إِلى صوتهم، ففي الوقت الّذِي يمر فيه الوطن بمنعطف خطير يكاد يعصف بوحدته وأمنه واستقراره، نجد أن دبلوماسيي فبراير غائبين تماماً عمّا يجري فِي الوطن مِن فرقة وتمزق وقتال، فِي حين أن رجالات السلك الدّبلوماسي سجلوا فِي السّابق موقفين وطنيين عظيمين فِي تاريخ نضال الشّعب الِلّيبي ضدَّ الظلم والاستبداد واستهداف وحدة البلاد الوطنيّة ونسيجها الاجتماعي. وغياب صوت الدّبلوماسيّين بعْد ثورة السّابع مِن فبراير وما ترتب عليها مِن نتائج، رُبّما يُفسر على أنّه تمسك بامتيازات ليس مِن السهل المخاطرة بفقدانها، وَفِي نفس الوقت يثير علامات استغراب مشروعة خصوصاً أن المنتظر منهم ليس الاستقالة والانشقاق كمَا كان مطلوباً فِي المرحلتين التاريخيتين المُشار إليهما إنّما المطلوب هُو خدمة كلّ الِلّيبيّين بغض النظر عَن مواقفهم وتوجهاتهم، والعمل على إحياء الروح الوطنيّة والإسهام فِي إنجاز مشروع وطنيّ ثمّ دفع الأطراف المتنازعة إِلى طاولة الحوار مِن أجل إيقاف الاقتتال الدموي وتحقيق الوفاق الوطنيّ.
وختام السّياق هذا يستدعى أن نذكر السّيِّد عزيز عُمر فائق شنّيب الّذِي أعلن فِي يوليو / تموز 1983م استقالته مِن منصبه كسفير لليبَيا بالأردن، معبراً عَن رفضه ومُعارضته لسّلطة القذّافي الدّكتاتوريّة الغاشمة. وَفِي شهر سبتمبر / أيّلول 1983م، أعلن انضمامه للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا فِي مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم، بصحبة الدّكتور محَمّد المقريَّف الأمين العام للجبهة وقتذاك. ولا شكّ أن شنّيب دعم باستقالته موقف وموقع المُعارضة الِلّيبيّة، وكشف بعدها دور معمّر القذّافي التآمري والخياني للقضيّة الفلسطينيّة، وأسس سياسته الخارِجِيّة الإرهابيّة التي استهدفت أمن واستقرار المنطقة العربيّة فضلاً عَن محاولاته اغتيال بعض الشخصيّات العربيّة وفِي مقدمتها المَلِك الحسين بِن طلال (1935م - 7 فبراير / شبّاط 1999م) مَلِك الأردن وياسر عرفات (1929م - 11 نوفمبر / تشرين الثّاني 2004م) رئيس مُنظمة التَّحرير الفلسطينيّة.
استقال عزيز شنّيب مِن منصبه حتَّى لا يستسلم الشّعب الِلّيبيّ للتردد والخوف وحتَّى لا ينجح القذّافي فِي تدمير الإنْسَان الِلّيبيّ حاضراً ومُسْتقبلاً ثمّ ليساهم مع قوى المُعارضة الِلّيبيّة فِي تقريب يوم الخلاص مِن نظام الجريمة والإرهاب. وقد تعرض بسبب موقفه هذا إِلى الكثير مِن الضغوطات والأزمات ومحاولات الاغتيال التي دبرها نظام القذّافي ضدَّه مِن بينها المحاولة التي أشارت لها صحيفة (الإعلان) التونسيّة، فِي أحد أعدادها الصّادرة فِي الأسبوع الأوَّل مِن شهر سبتمبر / أيّلول 1983م وكشف هُو بنفسه عَن تفاصليها فِي الحوار الّذِي أجرته معه مجلّة (الإنقاذ) فِي عددها الصّادر فِي شهر فبراير / شبّاط 1984م.
وَثِيقَةُ مِن وثائق تأسيس الاتحاد العام لطلبة ليبَيا فرع الولايات المتَّحدة، وتخص الإعداد للمؤتمر الطلاّبي الأوّل
صُوَرَةُ شخصيّة للرَّاحل عزيز عُمر فائق شنّيب
صُوَرَةُ شخصيّة للرَّاحل عزيز عُمر فائق شنّيب
صُوَرَةُ تضم وقوفاً كلاً مِن: توفيق مُصْطفى منينة والمرحوم عزيز عُمر فائق شنّيب
وقدري الخوجة والمرحوم علي بوزيد والمرحوم سَعْد عبدالله الأثرم ومحَمّد يُوسف المقريَّف..
وجلوساً كلاً مِن: شكري محَمّد السنكي ومحَمّد سَالم العبيدي
صُوَرَةُ تضم الأستاذ عزيز عُمر فائق شنّيب والأستاذ عاشور الشويهدي أثناء حوار مجلّة (الإنقاذ) مع شنّيب
صُوَرَةُ تضم كلاً مِن: محَمّد يُوسف المقريَّف وقدري الخوجة والمُناضل الرَّاحل عبْدالسّلام سليم
صُوَرَةُ تضم كلاً مِن: شكري محَمّد السنكي وسَالم القماطي والمُناضل الرَّاحل علي بوزيد وعيسى حمزة محفوظ وأنور الشّريف
مِرْفَق الْوَثَائِق:
الوَثِيقَة الأولى: وَثِيقَةُ مِن وثائق تأسيس الاتحاد العام لطلبة ليبَيا فرع الولايات المتَّحدة، وتخص الإعداد للمؤتمر الطلاّبي الأوّل، وهي مِن صفحتين (أ / ب). الوَثِيقَة تُنشر لأوَّل مرَّة وقد أرسلها للمؤلف الأستاذ عصام عبْدالمولى لنقي العضو المُؤسس لفرع الاتحاد والأمين الإداري باللّجنة التأسيسيّة... الوَثِيقَة الثّانيّة: محضر جلسات اللّجنة التأسيسيّة والّذِي سلمه الأستاذ عصام لنقي إِلى الأستاذ فائز جبريل رئيس الفرع الّذِي تمّ انتخابه فِي مؤتمر كولورادو صيف 1982م... الوَثِيْقَة الثَّالِثَة: غلاف مجلّة (الإنقاذ) الأمامي الّذِي صممه المٌناضل الفنان عثمان البراني، وقدر صدر عدد المجلة فِي شهر فبراير / شبّاط 1984م.
مِرْفَق الصُّوَر:
الصُوَرَة الأولى: صُوَرَةُ شخصيّة للرَّاحل عزيز عُمر فائق شنّيب، مِن أرشيف الأستاذ منصُور أحمَد بِن عمران، ومختومة بختم (موقع الباكور / albakour.com)... الصُوَرَة الثّانِيَة: صُوَرَةُ شخصيّة للرَّاحل عُمر فائق شنّيب، خاصّة بالمُؤلف وقد أرسلها له الأستاذ محسن ونيس القذّافي حفيد الرَّاحل عُمر شنّيب... الصُّوَرَة الثَّالِثَة: الصُوَرَةُ تضم وقوفاً كلاً مِن: توفيق مُصْطفى منينة والمرحوم عزيز عُمر فائق شنّيب وقدري الخوجة والمرحوم علي بوزيد والمرحوم سَعْد عبدالله الأثرم ومحَمّد يُوسف المقريَّف.. وجلوساً كلاً مِن: شكري محَمّد السنكي ومحَمّد سَالم العبيدي، وتاريخها يرجع إِلى أواخر شهر ديسمبر / كانون الأوَّل 1983م أمّا مكانها فهو المركز الإعلامي الرئيسي للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبَيا المعروف حينها باسم (القلعة) بمنطقة كانتون فِي ولايّة ميتشجان بالولايّات المتَّحدة الأمريكيّة. والصُوَرَةُ مِن أرشيف الأستاذ منصُور أحمَد بِن عمران، ومختومة بختم (موقع الباكور)... الصُّوَرَة الرَّابِعَة: الصُوَرَةُ تضم الأستاذ عزيز عُمر فائق شنّيب والأستاذ عاشور الشويهدي أثناء حوار مجلّة (الإنقاذ) مع شنّيب والّذِي نشرته المجلّة فِي عددها الصّادر فِي شهر فبراير / شبّاط 1984م. والصُوَرَةُ مِن أرشيف الأستاذ منصُور أحمَد بِن عمران، ومختومة بختم (موقع الباكور)... الصُّوَرَة الخَامِسَة: الصُوَرَةُ تضم كلاً مِن: محَمّد يُوسف المقريَّف وقدري الخوجة والمُناضل الرَّاحل عبْدالسّلام سليم، ومكانها مقر مجلّة (الإنقاذ) في ولايّة ميتشجان أثناء حوار مجلّة (الإنقاذ) مع الأستاذ عزيز عُمر فائق شنّيب. والصُوَرَةُ مِن أرشيف الأستاذ منصُور أحمَد بِن عمران، ومختومة بختم (موقع الباكور)... الصُّوَرَة السَّادِسَة: الصُوَرَةُ تضم كلاً مِن: شكري محَمّد السنكي وسَالم القماطي والمُناضل الرَّاحل علي بوزيد وعيسى حمزة محفوظ وأنور الشّريف. والصُوَرَةُ مِن أرشيف الأستاذ منصُور أحمَد بِن عمران، ومختومة بختم (موقع الباكور).
مُلاحَظَات وَإِشَارَات:
1) الفقرة مَا بين القوسين: الكلمة أعلى الصفحة جاءت على لسان الأستاذ عزيز شنّيب كجزء مِن إجابته على السؤال الأخير الّذِي طرحته مجلّة الإنقاذ عليه، والوارد على النْحَو التالي: هل مِن كلمة توجهونها إِلى جموع الشّعب الِلّيبيّ ؟. ومَا بين القوسين منقول عَن مجلّة (الإنقاذ) فِي عددها الصّادر فِي شهر فبراير / شبّاط 1984م.
2) أبيات الشعر: الأبيات أعلى الصفحة مِن ديوان الأستاذ أحمَد فؤاد شنّيب، المنشور تحت عنوان: (معزوفة على قيثارة الوطن)، مِن منشورات مجلس الثقافة العام.
3) بيت الشعر: البيت أعلى الصفحة مِن قصيدة: (إِلى روح رفيق) للشاعر حسن أحمد السوسي، والقصيدة منشورة كاملة فِي كتاب الأستاذ سالم الكبتي عَن الشّاعر أحمَد رفيق المهدوي، الصّادر تحت عنوان: (وميض البارق الغربي)، فِي عَام 2009م.
4) تأسيس فرع اتحاد الطلبة بأمريكا: مَا جاء حول الاتحاد العام لطلبة ليبَيا - فرع الولايّات المتَّحدة، هُو محصلة أحاديث أجريتها مع الأساتذة: عصام عبْدالمولى لنقي وإبراهيم عبدالله اقدورة وفائز عبْدالعزيز جبريل وزهير حامد الشويهدي وتوفيق مُصْطفى منينة وتاج الدّين الرزاقي.
5) أعضاء اللّجنة التأسيسيّة، والمؤتمر الأوَّل والثّاني لفرع الاتحاد فِي الولايّات المتَّحدة: خرج عدد مِن نشطاء الحركة الطلاّبيّة بَعْد موجة اعتقالات منتصف السبعينات إِلى خارج ليبَيا، ودافع هؤلاء النشطاء عَن مطالب الحركة الطلاّبيّة وساهموا فِي تأسيس فصائل مُعارضة وطنيّة لنظام القذّافي فِي الخارج. والّذِي حدث، أُعدمَ عُمر دبّوب ومحَمّد بِن سعود شنقاً يوم 7 إبريل / نيسان 1977م بميدان الكاتدرائيّة فِي بّنْغازي ، وظِلّ العشرات مِن رفاقهما فِي السجن حتَّى مارس / آذار 1988م وقدر الله لمجموعة أخرى أنّ تُحرمَ مِن مواصلة دراستها ويفرج عنها بعْد اعتقال دام قرابة عام. ويُلاحظ المتتبع لملف المُعارضة الِلّيبيّة فِي الخارج أنّ غالبيّة الطلبة الّذِين تعرضوا للاعتقال ثمّ أُفرج عنهم وخرجوا مِن ليبيا هم أوّل مَنْ بادر بطرح فكرة إعادة تأسيس الاتحاد العام لطلبة ليبَيا، كما كانوا منْ أوائل الّذِين شاركوا فِي تأسيس حركة الرفض الِلّيبيّة فِي الخارج. ونذكر مِن بين تلك الأسماء على سبيل التدليل لا الحصر: صالح بشير جعودة، توفيق مُصْطفى منينة، إبراهيم سعيد اغنيوة، إبراهيم عبدالله اقدورة، رشيد مُصْطفى بسيكري ومختار محَمّد السّنوُسي المرتضي. أمّا بالنسبّة لتأسيس فرع الاتحاد فِي الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة، فقد أطلق الأستاذ صالح جعودة فِي مارس / آذار 1980م، وَفِي مأتم الشهيد عامر الطاهر الدغيس، مبادرة تدعو إِلى ضرورة إعادة تأسيس الاتحاد العام لطلبة ليبَيا. استجاب الحاضرون للفكرة، ودعوا إِلى عقد اجتماع فِي الأسبوع المقبل يكون بمثابة (الاجتماع التأسيسي )، ويعتبر المشاركون فيه أعضاءً مؤسسين لفرع الاتحاد. وُقع البيان التأسيسي يوم 26 إبريل / نيسان 1980م، وتشكلت اللّجنة مِن الأسماء التالية: 1 - فيصل عبْدالعزيز الزقلعي.. 2 - بشير أحمَد الزروق.. 3 - فؤاد طاهر دغيس.. 4- صالح بشير جعودة.. 5 - محَمّد القصّير .. 6 - جمال الترهوني.. 7 - محَمّد المنقوش.. 8 - محَمّد الجيباني - 9 - علي الشوشان.. 10 - فائز عبْدالعزيز جبريل.. 11 - علي الصّادِق .. 12 - عصام عبْدالمولى لنقي.. 13 - توفيق مُصْطفى منينة.. 14 - زهير حامد الشويهدي.. 15 - محمود الزواوي.. 16 - صلاح عتيقة.. 17 - عبْدالعظيم الخوجة.. 18 - جمال أبوزيان. وبعْد التوقيع على البيان، اُختير الأستاذ بشير أحمَد الزروق أمنياً للجنة التأسيسيّة، وشُرعَ فِي تأسيس وحدات الاتحاد مُنذ إبريل / نيسان 1980م.
عُقد مؤتمر الاتحاد الأوّل فرع الولايّات المتَّحدة فِي أواخر ديسمبر / كانون الأوَّل 1981م، بولايّة ميزوري، ولم يتمكن الحضور مِن انتخاب الهيئة الإداريّة وتمّ الاتفاق على تشكيل لجنة تسييريّة تشرف على سير أعمال الاتحاد إِلى انعقاد المؤتمر الثّاني، وتكونت اللّجنة مِن: فائز عبْدالعزيز جبريل، فتحي محَمّد البعجة، عادل محَمّد بريون، مختار محَمّد السّنوُسي المرتضي، محَمّد عبْدالرَّحمن بالروين، محمود الأمين حسنى المعروف بلقب (كاليميرا).
انعقد المؤتمر الثّاني فِي ولايّة كولورادو فِي شهر أغسطس / أب 1982م، وترأسه الأستاذ عيسى حمزة محفوظ، وأطلق عليه (مؤتمر الشهيد أحمَد مخلوف)، وحضره أكثر مِن ثلاثمائة (300) طالب، وانتخب الحاضرون فِي يوم الختام رئيس الاتحاد وأعضاء الهيئة الإداريّة، فانتخب الأستاذ فائز عبْدالعزيز جبريل رئيساً للفرع، وإبراهيم جبريل نائياً للرئيس، ومفتاح رمضان الطيّار أميناً للتنظيم, وتوفيق مُصْطفى منينة أميناً للإعلام والصحافة، وأحمَد الكيلاني أميناً للشؤون الإداريّة والماليّة، وسُليْمان عُمر الدرفيلي أمنياً للعلاقات العامّة.
فور انتهاء أعمال المؤتمر، قام الّذِين شاركوا فِي جلساته بمظاهرة كبيرة أمام مبنى سيتي هول (City Hall) بمدينة دنفر (Denver) عاصمة الولايّة، احتجاجا على موجة الاعتقالات التي تعرض لها الطلبة فِي ليبَيا، واستنكاراً لتعذيبهم فِي معسكر السّابع مِن إبريل، وتعبيراً على غضبهم ووحدة كلمتهم ضدَّ نظام القذّافي الّذِي قتل أثنين مِن رفاقهم هما: ناجي بوحوية خليف (1953 - 1982م) وأحمَد إسماعيل مخلوف (1952م - 1982م) اللذان استشهدا تحت سياط التعذيب فِي شهر أغسطس / أب 1982م.
6) الدّكتور محمود سُليْمان المغربي: وُلد فِي حيفا بفلسطين عام 1935م، وانتقل سنة 1948م عام النكبة إِلى سوريا التي درس فِي جامعاتها القانون. وأثناء دراسته للقانون بكلية الحُقًوق فِي جامعة دمشق، أسس مع مجموعة مِن الطلبة الفلسطينيين (رابطة أبناء فلسطين). غادر دمشق إلى العاصمة القطريّة الدوحة فعمل مدرساً ثمّ مفتشاً حتَّى صار مديراً للمعارف بالوكالةِ. تحصل على درجة الماجستير والدكتوراه فِي قانون البترول مِن الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة. عمل فِي ليبَيا فِي قطاع النفط حتَّى صار مستشاراً قانونياً لشركة (أسو) النفطيّة. كان محسوباً على تيار القوميين العرب الرافض وقتئذ لاستمرار الحكم الملكي فِي ليبَيا، وحُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بعْد تورطه فِي عَام 1967م فِي تنظيم إضراب عمال النفط ومحاولة زعزعة الاستقرار السّياسي فِي البلاد. بعْد إنقلاب سبتمبر / أيّلول 1969م، عينه معمّر القذافي قائد الإنقلاب رئيساً لوزرائه وكان بذلك أوَّل رئيس وزراء بعْد الإنقلاب. مثل ليبَيا فِي الأمم المتَّحدة حينما أصبحت ليبَيا عضواً فِي مجلس الأمن الدّوليّ سنة 1970م. وشغل منصب سفير ليبَيا لدى المملكة المتَّحدة حتَّى عَام 1975م حيث انشق فِي هذا العام عَن نظام القذّافي وساهم فِي تأسيس التجمع الوطنيّ المُعارض. تعرض لمحاولة اغتيال أو خطف بعْد استقالته وانضمامه لصفوف المُعارضة، وترأس (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطيّ الِلّيبيّ) مِن صيف 1981م إِلى صيف 1987م. عاد إِلى ليبَيا عَام 1987م بعْد أن اجتمع بالعقيد معمّر القذّافي فِي شهر يوليو / تموز 1987م فِي العاصمة الجزائريّة وكان بصحبته الرّائد عبْدالمنعم الطاهر الهوني أحد رفاق القذّافي والمُعارضين البارزين حينئذ. رجع المغربي إِلى ليبَيا عَام 1987م، وعاد عبْدالمنعم الهوني إِلى البلاد فِي أواخر عَام 2000م وتمّ تعيين الأخير مندوباً لليبَيا لدى جامعة الدّول العربيّة.
أنتقل محمود المغربي إِلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 17 يوليو / تموز 2009م بالعاصمة السّوريّة (دمشق) ونُقل جثمانه إِلى العاصمة الِلّيبيّة طرابلس ليُدفن هُناك.
7) السّيِّد عزالدّين الغدامسي: أجتمع العقيد معمّر القذّافي فِي عَام 1992م بالسّيِّد عزالدّين الغدامسي الّذِي كان أحد المُعارضين المعروفين وشغل منصب الناطق الرَّسمي باسم (هيئة التنسيق للقوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة الِلّيبيّة)، فِي قصر القبة فِي القاهرة، فعاد الغدامسي إِلى ليبَيا خلال نفس العام. جاء فِي مذّكرات أحمَد قذاف الدّمّ التي نشرها الصّحفي عبْدالستار حتيتة فِي كتاب تحت عنوان: (قذف الدّمّ يتحدث.. نصف قرن مع القذّافي)، عَن عودة محمود المغربي وعزالدّين الغدامسي إِلى ليبَيا، مايلي:..".. كان الدّكتور محمود المغربي هارباً فِي لندن وكان مُعارضاَ عدتُ به إِلى ليبَيا.. وكذا عزالدّين الغدامسي الّذِي كان وزيراً للماليّة وكان سفيراً لليبَيا فِي النمسا والّذِي جُرح فِي محاولة لقتله فِي النمسا. تواصلت معه وعاد إِلى ليبَيا وأصبح فيما بعْد رئيساً لإحدى أكبر شركاتنا فِي مِصْر.. وآخرون منهم رئيس برلمان اتحاد الجمهوريّات العربيّة السّابق، السّيِّد بشير الرَّابطي.. عدتُ به إِلى ليبَيا..".
8) السّيِّد عبْدالسّلام عزالدّين المدني: ضابط بالجيش الِلّيبيّ أُبعد عَن المؤسسة العسكريّة بعْد استيلاء معمّر القذّافي على السّلطة فِي الأوَّل سبتمبر / أيّلول 1969م. أُرسل إِلى الخارج كدبلوماسي وكانت السفارة الِلّيبيّة فِي بوخارست عاصمة رومانيا آخر محطّاته الدّبلوماسيّة. نشط فِي الخارج كمُعارض لنظام القذّافي، واستقر مع أسرته فِي الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة حوالي عشرين عاماً ثمّ انتقل للعمل فِي إمارة دبي حيث استقر فِي الإمارات العربيّة المتَّحدة هُو وزوجته حوالي عشر سنوات. عاد إِلى ليبَيا فيما بين عامي 2002م و 2003م وبعد حوالي ثلاثة عقود قضاها فِي المنفى مُعارضاً لنظام معمّر القذّافي.
9) الاستقالات مِن السّلك الدّبلوماسي:اتصلت بالأستاذ عاشور سَعْد بِن خيال هاتفياً يوم 14 إبريل / نيسان 2015م الدّبلوماسي السّابق والّذِي شغل منصب وزير الخارِجِيّة في الحكومة الانتقالية بعْد ثورة السّابع عشر مِن فبراير، وأخبرته بأني عاكف على كتابة دراسة عَن الرَّاحل عزيز عُمر شنّيب وطلبت منه معلومات محددة عَن الخارِجِيّة الِلّيبيّة والاستقالات التي تمّت فِي السّلك الدّبلوماسي دعماً للموقف المُناهض لنظام سبتمبر، فأضاف إِلى قائمتي أسمين هما: الشهيد الوافي امبية والأستاذ مُصْطفى مناع وقال إنهما مِن دفعته فِي الخارِجيّة والتي ضمّت حوالي أحد عشر شخصيّة.
مصَادِر وَمَرَاجِع:
1) الأستاذ سَالم حسين الكبتي - الحلقة الأولى مِن مقالة: (صُوَرَةُ وكَلمةُ) - موقع: (ليبَيا وطننا) يوم الخميس الموافق 13 أغسطس / آب 2009م.
2) الأستاذ المَهْدِي يُوسف كاجيجي - مقالة: (المَهْدِى يُوسف كاجيجي: بأىّ حال عدت يا إبريل !!؟) - موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) بتاريخ 30 مارس / آذار 2015م.
3) المؤلف - الجزء الثّاني مِن سلسلة: (فِي السّـياسَةِ والتاريـخ.. المَلِك، العـقيد، المُعـارضة الِلّيبيّة فِي الخارج) - موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) يونيه / حزيران 2006م.
4) الدّكتور فتحي الفاضلي - دراسة: (مِن ضحايا الإرهاب: معسكر السّابع مِن أبريل)- موقع: (ليبَيا وطننا) بتاريخ 6 ديسمبر / كتنون الأوَّل 2006م.
5) المؤلف - مقالة: (بطل مِن بلادي - مُصْطفى الجّالي بوغرارة.. سيرته ومواقفه) - موقع: (ليبَيا المُسْتقبل) يونيه / حزيران 2013م.
6) الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) - موقع الموسوعة فِي الشبكة الدّوليّة للمعلومات.
7) شبكة النت الدّوليّة (أخبار عالميّة وعربيّة) - خبر تحت عنوان: (الوفد الِلّيبيّ بالأمم المتَّحدة يجهش بالبكاء.. حزنا على بلادهم)، المصدر: (وكالات الأنباء) بتاريخ 26 فبراير / شبّاط 2011م.
8) الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) - مَا جاء فِي الموسوعة تحت عنوان: (معركة إجدابيا الأولى).
9) موقع قناة البي بي سي (BBC) العربية - خبر: (مُصْطفى عبْدالجليل فِي يوم "تحرير ليبَيا": كلّ القوانين التي تخالف الشريعة الإسْلاميّة ملغاة) - بتاريخ 23 أكتوبر / تشرين الأوَّل 2011م.
10) مجلّة (الإنقاذ) - حوار: عزيز شنّيب يتحدث إِلى الإنقاذ - العدد رقم سبعة (7) الصّادر في جمادي الأوّل 1404 هجري الموافق فبراير / شبّاط 1984م.
...
للدقة والتوضيح، لم يعلن الدكتور المقريف استقالته من منصبه كسفير ليبيا لدى جمهورية الهند وانما من منصبه كسفير بوزارة الخارجية الليبية....