ابراهيم اغنيوه: الخلافات بين السويحلي والسنوسيين 23/5/2015 17:59 ابراهيم اغنيوه: الخلافات بين السويحلي والسنوسيين
ابراهيم اغنيوه بحث

"الخلافات بين السويحلي والسنوسيين"

في كتاب الشيخ الطاهر الزاوي "عمر المختار"

من القضايا التي لم تعط حقها من البحث، ماهية أسباب الخلاف بين المجاهد رمضان السويحلي والمجاهدين السنوسيين، كيف نشأت هذه الخلافات؟ وماذا كان أثرها على مجريات تاريخ ليبيا؟ إن هذه الأسئلة، يحاول الاجابة عنها كتاب "عمر المختار" لكاتبه الشيخ الطاهر الزاوي أو بالأحرى أحمد محمود ـ لأن أول طبعة من طبعات الكتاب الكثيرة، كانت باسم غير اسم الشيخ الحقيقي، ونشرت سنة 1934م ـ.

في بداية كتابه، يقول الزاوي ـ في الطبعة الثانية للكتاب ـ انه كان وقت تأليفه الكتاب مقيما في مصر، واعتمد في معلوماته على ما سجله مما يصل اليه من صحيح الأخبار ووقائع الحرب، تارة بواسطة المجاهدين الذين يفدون على مصر، وتارة بواسطة الاخبار التي تنقلها الجرائد. كما يقول في هذه الطبعة ـ التي نشرت في ليبيا بعيد انقلاب الطاغية القذافي ـ انه وقـّع الطبعة الأولى بغير اسمه الحقيقي تفاديا للوقوع تحت ضغط السياسة الايطالية. ويقول ان السيد ادريس السنوسي رفع ضية ضده وضد ناشر الكتاب، ويضيف "ولكن ادريس باء بالفشل، كعادته في جميع أعماله".

ورغم ان كتاب الزاوي، هو عن "عمر المختار"، الا ان الكتاب كان ايضا تأريخا للعلاقة بين اقليمي طرابلس وبرقة، والخلاف بين المجاهد رمضان السويحلي والمجاهدين السنوسيين وأتباعهم، على وجه الخصوص، وهذا ما سيتم التركيز عليه في هذه القراءة لهذا الكتاب الهام. وبهذا الخصوص يقرر الزاوي أن شيخ الشهداء عمر المختار ذكر أمام المحكمة الايطالية التي حكمت عليه بالاعدام أنه تربي على يد "السنوسية" منذ كان عمره 16 سنة. ويقول الزاوي أيضا أن قيادة المجاهدين في جميع برقة كانت للسيد أحمد الشريف "السنوسي"، منذ مايو 1913م. ولكن الزاوي يقول أيضا ان كل ما ينسب الى السنوسيين في الجهاد الليبي ضد الطليان، فانما ينسب اليهم من طريق هذا الرجل وحده، إلا ما ينسب لأخيه صفي الدين من تحركات، ولكنها كانت غير موفقة، أما من عداهما من السنوسيين ـ ممن حضروا الحرب الايطالية "فكلهم صفر على الشمال" ـ أي أنه من الواضح ان السيد الزاوي ليس طرفا محايدا في قضية الخلاف بين السنوسيين واتباعهم من جهة، ورمضان السويحلي واتباعه من جهة أخرى، هذا الخلاف الذي نحن بصدد تبيان أسبابه وكيفيته ـ حسب رأي الزاوي ـ.

ومن الصفحات الأولى للكتاب يتبين عدم حياد الزاوي في قضية خلاف السنوسيين ورمضان بك السويحلي ـ خاصة في حديثه عن السيد ادريس السنوسي ورمضان بك السويحلي ـ، فعندما يتحدث الزاوي عن السيد ادريس السنوسي يتهمه باللصوصية والخيانة، فيقول أنه قام بسرقة سبعين ألف جنيه ومعها بنادق وصناديق ذخيرة كانت الحكومة العثمانية قد ارسلتها الى نوري باشا على متن غواصة رست في مرسى البريقة. ويتهم السيد ادريس بانه منحاز الى سياسة الانجليز والطليان ـ وخير مثال على ذلك مفاوضات الزويتينة كما يرى الزاوي ـ. بينما عندما يتحدث الزاوي عن رمضان بك السويحلي يقول "كانت مصراته آنذاك فيها حكومة رمضان السويحلي، وكانت قائمة بحركة الجهاد خير قيام".

وينتقل الزاوي من الحديث عن "عمر المختار" والسنوسيين في برقة، الى الحديث عن ما يسميها بالأحداث المؤسفة التي وقعت بين اقليمي "طرابلس" و"برقة"، والتي كان سببها تلك الفتنة التي أحدثها السيد صفي الدين السنوسي في "مصراته"، والتي نتج عنها الخلاف الذي وقع بين صفي الدين السنوسي وبين رمضان السويحلي. حيث انه لما وقع الصلح بين الحكومة العثمانية وايطاليا بشأن طرابلس في اكتوبر سنة 1912م، وانتهت الحرب في طرابلس، لم يرض السنوسيون بهذا الصلح واستمروا في الحرب في برقة، وقد أرادوا أن تـُستأنف الحرب في طرابلس، فأرسلوا صفي الدين السنوسي الى سرت وكان من ضمن اعماله ان أغار على ابل مصراته واخذها بحجة أن أهلها "متطلينون" ـ كما يقول الزاوي ـ. وعندما علم رمضان السويحلي بالأمر، طلب من الحكومة الايطالية ان يذهب الى معسكر السنوسية ليتفاهم معهم في ارجاع الابل. وبعد وصول رمضان الى معسكر السنوسية هجم الايطاليون على معسكر السنوسية وحصلت معركة اشترك فيها رمضان بك ومن معه ـ الى جانب السنوسيين ـ وقـُـتل فيها بعض من رفاقه وجُرح اخوه أحمد وآخرون. وعندما سأل الطليان رمضان عما وقع أنكر حضوره المعركة خوفا على اهله واخوته في مصراته من انتقام الايطاليين.

أما عن تعاون رمضان بك السويحلي مع الطليان في معركة القرضابية، فيقول ان الطليان كلفوا رمضان بك بأن يذهب على رأس جيش لمحاربة السنوسيين ان ابوا الصلح، وهددوه بالنفي الى ايطاليا ان لم يفعل، فرضي بذلك واعتزم ان يستغل هذا الجيش "ضد الايطاليين". ويقول الزاوي ان رمضان بك اتصل بصفي الدين وافهمه انه مصمم على محاربة الطليان. وقد رفض صفي الدين الصلح ـ بناءا على هذه الفكرة ـ ونشبت المعركة، وانتقض رمضان بك على الطليان وركب اقفيتهم فانهزموا شر هزيمة، وهذه الواقعة تسمى واقعة "القرضابية" وكانت في جمادي الأولى سنة 1333هـ.

وعندما وصل ـ الى مصراته ـ خبر انضمام جيش رمضان الى جيش السنوسيين، انتقم الطليان من اهالي مصراته، فاراد رمضان بك الرجوع الى مصراته لينقذ اهلها، فلم يأذن له صفي الدين ـ لأن رمضان أخذ أكثر الغنائم ـ وبعد ستة ايام نفذ صبر رمضان بك فترك لصفي الدين كل ما اخذه من غنائم وذهب الى مصراته لانقاذ اهلها من الايطاليين. وطرد رمضان الطليان من مصراته وغنم منهم غنائم لا تحصى. ثم انتقل صفي الدين الى "ورفله" وفرض على اهلها الضرائب واخذ ما غنموه من الطليان، الامر الذي جعل اعيان ورفله يجلون الى مصراته. ودعا رمضان صفي الدين لزيارة مصراته فزارها وفرض عليها الضرائب وطلب ان يسلم له كل ما خلف الطليان في مصراته من مؤن وذخائر، فعارض رمضان بك ذلك، ومن هنا نشأ الخلاف بين رمضان وبين صفي الدين، فاصدر صفي الدين أمره بأن رمضان "مهجور" ـ معزول ـ على عادة السنوسيين في من غضبوا عليه.

رفض اهالي مصراته عزل رمضان بك ـ يقول الزاوي ـ وقالوا لصفي الدين: "لا حاجة لنا بالسنوسية في بلادنا، ويجب أن تخرج من بلادنا في هذا اليوم". فخرج صفي الدين وذهب الى ورفله حيث يقيم وكيله أحمد التواتي. بعد ذلك اجتمع صفي الدين بكثير من اعيان الجهة الغربية في مسلاته، وسألهم وكيله احمد التواتي "ان رجلا عصى الحكومة السنوسية، هل يُقتل أم لا؟" ففهموا انه يقصد رمضان فغادروا الاجتماع بحجة زيارة ضريح سيدي عبدالسلام الاسمر، واجتمعوا مع رمضان واقتنعوا بوجهة نظره وبان الذي احدث الفتنة هو احمد التواتي لحساب صفي الدين. بعدها هاجم رمضان صفي الدين فانسحب هذا الى ترهونه ومنها الى ورفله، فلحقه هناك وقبض على وكيله احمد التواتي وقتله.

بعد ذلك تدخل محبوا الخير ـ يقول الكاتب ـ وعادت المياه الى مجاريها بين رمضان والسنوسيين، واجتمع ـ في سرت ـ في يناير 1922م ـ وفد برقاوي مكون من كل من الشيخ صالح الاطيوش والشيخ نصر الاعمى والشيخ خالد القيصة والشيخ صالح السنوسي ابن عبدالهادي البراني، ووفد طرابلسي مكون من كل من السيد احمد السويحلي والاستاذ عمر عزام وعمر ابودبوس ومحمد نوري السعداوي والشتيوي سالم والصويعي الخيتوني والحاج صالح بن سلطان. وكتبوا معاهدة التزم المفوضون من قبل برقة وطرابلس الموقعون عليها بتنفيذها، واهم مواد المعاهدة: عدونا واحد وصديقنا واحد، وضرورة المسامحة بين العربان، واعدام خونة الوطن ومصادرة اموالهم، وتوحيد الزعامة في البلاد تحت امرة امير مسلم، وانتخاب مجلس تأسيسي من الطرفين لوضع قانون اساسي، والتعاون في صد العدو، ويشترط ان توافق على هذه المعاهدة كل من حكومة برقة والهيئة المركزية في جهة طرابلس.

وبينما كان الوفدان البرقاوي والطرابلسي مجتمعين في سرت نزل الجيش الايطالي في قصر حمد بمصراته واستؤنفت الحرب، ويقول الزاوي انه بينما وقعت معارك شديدة في مصراته، فان برقة لم تنفذ من معاهدة سرت شيئا سوى ارسال ممثلها الشيخ عبدالعزيز العيساوي الى مصراته. وعندما حصلت هدنة بين الطرابلسيين والطليان، وفي اثناء المفاوضات رأت هيئة الاصلاح المركزية أن تعيّن أميرا، لتكون ايطاليا امام الامر الواقع. واضطر سكان طرابلس لانتخاب ادريس السنوسي اميرا، لأن برقة ما كانت لترضى بغيره أميرا، ورفض الطليان ذلك، فاستؤنفت الحرب، وارسل الطرابلسيون وفدا الى اجدابيا لدعوة الأمير ادريس السنوسي لمبايعته، فاعتذر ادريس عن الذهاب بحجة ان صحته لا تساعده على الذهاب في فصل الحر وأخـّر الدعوة الى فصل الخريف.

وفي صفر سنة 1341هـ ارسل الطرابلسيون وفدا آخر ـ حسب الزاوي ـ يحمل كتاب بيعة الطرابلسيين لأدريس السنوسي ـ فوصل الوفد الى اجدابيا وقدم كتاب البيعة للسيد ادريس فقبل البيعة، ورد على كتاب البيعة برسالة وكـّل فيها الهيئة المركزية ادارة شئون القطر الطرابلسي. وما لبث السيد ادريس ان ترك البلاد الى مصر بحجة انه مريض ويريد ان يعرض نفسه على الاطباء هناك، وهكذا ـ يقول الطاهر الزاوي ـ أخلف ادريس وعده، وخان عهده، وترك البلاد، ولم يف بما اشتُرط عليه في وثيقة البيعة. وما ان علم الطليان ببيعة الطرابلسيين لأدريس حتى قطعت ايطالبا معه كل علاقاتها واستؤنفت الحرب في برقة.

وجاء في كتاب الزاوي أنه بعد سفر ادريس الى مصر، استقر السيد عمر المختار في الجبل الأخضر، وانضم اليه كثير من رؤساء القبائل، فعيّن لقبيلتي الحاسة والعبيدات الفضيل بوعمر، ولقبيلتي البراعصة والدرسة حسين الجويفي البرعصي، ولقبيلتي العبيد والعرفة يوسف بورحيل المسماري، وعقدوا العزم مع السيد عمر المختار على الجهاد في سبيل الله الى آخر نفس من حياتهم وعلى أن يخلصوا وطنهم من العدو. وقد انضم الى السيد عمر ـ وهو في الجبل الاخضر ـ جماعة من مصراته، بعد ان هاجر من بقي من حكومة مصراته ومن معها من نفر الى مصر، وكانوا حوالي مائة وسبعين مجاهدا، استشهد منهم مع السيد عمر المختار نحو مائة.

ويقول الزاوي في نهاية كتابه أن السنوسيين تخلوا عن عمر المختار وخير دليل على ذلك منشور محمد الرضا السنوسي الشهير الذي تبرأ فيه من اي سنوسي يقاوم ايطاليا ويجاهد ضدها، وانه تم حشر كثير من الليبيين من قبل الطليان في معتقلات جماعية، واحتل الطليان الجغبوب والكفرة، وتم التضييق على المجاهدين تماما من خلال مدّ الأسلاك الشائكة على طول الحدود الليبية المصرية لايقاف المعونات عنهم، ومع ذلك استمر السيد عمر المختار في جهاده الى أن وقع اسيرا في ميدان القتال، وحوكم محاكمة صورية، وتم اعدامه شنقاً بـمركز "سلوق"، على تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الاربعاء 16 سبتمبر 1931م.

وفي الختام لا يفوتنا أن نقول أن كتاب الشيخ الطاهر الزاوي "عمر المختار" تعرّض لنقد شديد من قبل كثير من الليبيين، وكان من أقوى ما وجه اليه من نقد ما جاء في كتاب "رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار" لجامعه "محمد الأخضر العيساوي"، والذي كتبت عنه مقالة بعنوان (قراءة في كتاب "رفع الستار عمّا جاء في كتاب عمر المختار").

ابراهيم اغنيوه

 

إضغط هنا للتعليق على الموضوع
Reader's Comments
مواطن ليبي محب لكل ليبيا
الى الذين ينتقدون مفتي ليبيا السابق رحمه الله والذي لم يثنيه عن قولة الحق كائنا من كان والجميع يعرف موقفه رحمه الله عام ١٩٧٨م في مقولة المقبور (البيت لساكنه) وكان…...
التكملة
صديق قديم
مش وقته ياغنيوه وربنا يهديك، سخر قلمك يادكتورنا العزيز لؤد الفتنة ونشر فكر التسامح والعفو بدلا من الكراهية والحقد، فما احوجنا اليوم الى ان نحب بعضنا البعض اكثر....
التكملة
same
الى سعد الاريل: وهل تريده ان يمثل في هوليوود لكي يكون صاحب (كاريزما) يسحر النساء بوسامته ويحطم قلوب العذاري؟؟ الليبيون ياسيدي التفوا على زعيم انقلاب سبتمبر دون ان يعرفوا اسمه…...
التكملة
ابالحكم
الدكتور اغنيوه الوطني والمعارض الغني عن التعريف في زمن حكم الطاغية القذافي يقدم لنا قراءة أخرى في كتاب من أهم الكتب التي أرّخت لفترة الجهاد ضد المستعمار الإيطالي البغيض.. يرى…...
التكملة
د. سعد الاريل
للاسف ليس لدى العائلة السنوسية شخص لديه ( كاريزما )حتى ياتف الناس وراءه و خاصة وسط هذا الانقسام الرهيب و انا اطلب من الاستاذحسن اجراء استبيان حول عودة الملكية من…...
التكملة
سليمان
الى ليبي حر: عودة النظام الملكي ليس في يدك او يدي او يد اى شخص ،انه في يد الواحد القهار الذي له التصرف المطلق فى ملكوته، (مَالِكَ المُلْكِ)، الذي تنفذ…...
التكملة
عمر
اتركوا الماضي جميعه حتى تعود ليبيا وحدة واحدة بحكومة واحدة ومجلس نواب واحد وجيش واحد وشرطة واحدة وشعب واحد. لو اردنا ان نفتش عن المثالب لاصبج جميع المجاهدين خونة كما…...
التكملة
ابو خليفة
نحن نعيش في 2015 ما عاشه الليبيون من تشرذم و فتن سنة 1915. و لو أن تاريخ الجهاد قد تم تدريسه بما فيه من حقائق مرة ما وقعنا في الفتن…...
التكملة
ليبي حر

كلام جميل ورائع لكل من مازالوا يراهنون على عودة الملكية السنوسية ويسوقونها لليبيين ومنهم السيد ابراهيم الهنقاري وامثاله كثر....
التكملة
ارابن د ئحلال
وما دليل الكاتب بأن الطاهر الزاوي كان يزور الحقائق ويكذب ويخفي "حقد" ضد السنوسيين؟ مافهمتش أني حجة الكاتب لأن المقال عبارة عل نسخ لصق من الطاهر الزاوي لا أكثر ولا…...
التكملة
د. محمد الهادى
التاريخ لا يرحم وتحية للدكتور ولكل من يحيى الحقائق الحقائق بدون اى تزييف...
التكملة
مستغرب
ثم ماذا تريد أن تقول يا إبرهيم غنيوة؟
...
التكملة
سيدي ادريس قال عبارته المشهورة:- كب الحتحات علي مافات.. كب يادكتور اغنيوة الله يرحم ولديك... الوطن قريب ايضيع.. ابواحمدالشريف...
التكملة
باحث تاريخ في الجهاد الليبي
نعم كتاب الشيخ الزاوي فيه روايات كثيرة متناقضة, ولعل السبب في ذلك هو انه لم يتعامل مع الروايات الشفهية بحذر شديد’ ولم ياخذها من مصادرها مختلفة, بل اعتمد على روايات…...
التكملة
صالح
لا اعرف يادكتور غنيوه الأسباب التي أدت بك الى الكتابه في هذا الموضوع وهو موضوع (فتنة) بامتياز، وماهي الفائدجة التي سنجنيها؟؟ وخاصة اننا اليوم بحاجة الى لم الشمل وتناسي الأحقاد…...
التكملة