حكايات "جامع الملك" اجدابيا (4)
بعد ان انتهيت من قراءة رسالة الشيخ عابد، شعرت بأنها زادت من تساؤلاتي، بدل أن تجيب على سؤالي الأخير للشيخ عندما التقيت به في بيته المجاور لجامع الملك باجدابيا، وهو "هل كل الناس يحبون الملك؟".
اعدت قراءة الرسالة بسرعة، وفي هذه المرة اكتشفت أن ثمة كتابة في هامش صغير جداً في نهايتها، اعتقدت في قراءتي الأولى للرسالة أنه مجرّد توقيع طويل ـ كتابة وأرقام ـ على "عكس" طريقة القدماء: "عابد 130 90 110 67 813 422".
ذهبت إلى مكتبة اجدابيا العامة للبحث عن كتاب يترجم لي الارقام الى جمل لها معنى، وتوقعت أن أجد صعوبة بالغة في ذلك، الا أن أمين المكتبة ساعدني في ايجاد بعض الكتب التي تعني بالارقام ومعناها اللغوي ولكنه حذرني من التوسع في قراءة مثل هذه الكتب، بل أنه قال أنه سيبلغ والدي بنوعية الكتب التي أبحث عنها في المكتبة، لأنه لا يريد أن يتحمل مسئولية اصابتي بأي مكروه نتيجة قراءتي لهذه الكتب وغيرها من الكتب الصفراء (لونها أصفر بحكم انها قديمة جداً).
وجدت ضالتي في الصفحات الأولى من أول كتاب تصفحته، ووجدت فيه جدولين، جدول الأرقام المكافئة للأبجدية عند أهل المشرق:
ابجد: ا=1 ب=2 ج=3 د=4
هوز: هـ=5 و=6 ز=7
حطي: ح=8 ط=9 ي10
كلمن: ك=20 ل=30 م=40 ن=50
سعفص: س=60 ع=70 ف=80 ص=90
قرشت :ق=100 ر=200 ش=300 ت=400
ثخذ: ث=500 خ=600 ذ=700
ضظغ: ض=800 ظ=900 غ=1000
وجدول آخر للأرقام المكافئة للأبجدية عند أهل المغرب (الفرق بين الجدولين يوجد في الصفوف الأربعة الأخيرة فقط):
ابجد: ا=1 ب=2 ج=3 د=4
هوز: هـ=5 و=6 ز=7
حطي: ح=8 ط=9 ي10
كلمن: ك=20 ل=30 م=40 ن=50
صعفض: ص=60 ع=70 ف=80 ض=90
قرست :ق=100 ر=200 س=300 ت=400
ثخذ: ث=500 خ=600 ذ=700
ضغش: ض=800 غ=900 ش=1000
وبالنظر الى الستة أرقام الواردة بعد إسم الشيخ عابد وهي: "130 90 110 67 813 422".، نجد أن كلاً من هذه الأرقام ما هو إلا مجموع لأرقام يمكن ترجمتها الى حروف وكلمات وجمل.
وبفك أرقام الشيخ إلى أجزائها الموجودة في جدول أهل المشرق ـ جرّبت جدول اهل المغرب أولا فلم يؤدي بي الى معاني مفهومة ـ وجدت أن الأرقام التي كتبها الشيخ يمكن ترجمتها إلى: "130=90+30+10= صلى || 90=40+30+20= ملك || 110=70+30+10=على || 68=60+3+1+4=سجاد || 186=80+6+100=فوق || 422=20+400+2= كتب || عابد=76" والأخير هو عمر الملك الذي ولد في واحة الجغبوب ـ على مسافة 285 كم جنوب شرق طبرق ـ 20) رجب 1307هـ / 12 مارس 1890م)، أما باقي الأرقام فتعني "صلى ملك على سجاد فوق كتب عابد".
وقد جلست على الأرض أمام أرفف كتب المكتبة، ناظرا إلى الكتب أمامي، محاولا أن أجد معنى لكلام الشيخ عابد. وقد شعرت بأن الشيخ كان باستطاعته كتابة ما يريد أن يقول لي بوضوح ويشرحه بالتفصيل بدل الغوص في الارقام والحروف والألغاز. ووصلت الى نتيجة وهي أن الشيخ عابد يمتحنني بهذه السلسلة من الارقام ويريد أن يتأكد من أنني أستحق أن يعلمني أشياء أكبر مما يستطبع أقراني تعلمه.
هذا الاكتشاف أراحني، فاتكات على رف من ارفف المكتبة لأقف، وهنا وقع نظري على الكتاب الذي استعرته يوم زيارة الملك لاجدابيا "كتاب الجوامع" ففتحته بسرعة على الخريطة الوحيدة الموجودة به، واستقرت عيناي على ركن مصلى الملك على يمين منبر جامع الملك الذي يصلي به الملك دون ان يراه المصلون. وتذكرت ان بركن المصلى الزجاجي توجد سجادة. اذن ما يريد ان يقوله الشيخ عابد بجملته "صلى ملك على سجاد فوق كتب عابد" هو "توجد مكتبة تحت مُصلى الملك"، وهي جملة لا معنى لها لأي شخص لا يعرف ان بالغرفة الزجاجية ـ مصلى الملك ـ سجادة موضوعة في ركن من اركانها ـ وهو الركن المتصل بالمثلثات العجيبة المشعة كنصف نجمة تحت جامع الملك حسب كتاب "كتاب الجوامع" الايطالي. وهنا تبادر الى ذهني ان الشيخ ربما رآني عندما دخلت للغرفة الزجاجية، بحكم أنه يسكن بالقرب منها ملاصقا لجامع الملك.
ما أن انتهى المؤذن من قول "الصلاة خير من النوم"، حتى وجدتني أسرع إلى جامع الملك. بعد انتهاء الامام من صلاة الفجر، قمت وأخذت مصحفا، وجلست اقرأه. ومن آن لآخر كنت أنظر حولي، منتظرا أن يغادر جميع المصلين الجامع لأدخل مصلّى الملك.
عندما غادر آخر المصلين، وضعت المصحف بجانب المنبر، واتجهت صوب مصلى الملك. دفعت النافذة الزجاجية وصعدت اليها والقيت بنفسي داخل المصلّى. كان الضوء يتسرب الى المصلى من الزجاج والشقوق محدثا ظلالا تضيف رهبة على هذه الغرفة ومحتوياتها.
كانت السجادة في مكانها المعتاد في ركن المصلى. أزحت السجادة ثم ازحت الحصير الذي كانت عليه، وهنا ظهر لي غطاء حديدي نصف دائري مرسوم عليه مثلثات تتجه رؤوسها الى الخارج كشعاع يخرج من نصف دائرة الغطاء الحديدي. أزحت الغطاء الحديدي بصعوبة، فانتشر الغبار يملأ المصلى، وكدت أختنق، وارتفع صوت سعالي في صمت الصباح، وانتظرت أن يسمعني أحد ويفتضح أمري، الا ان ذلك لم يحدث، فاخرجت مصباحي الصغير وادخلته في الفتحة نصف الدائرية، ولما لم ارى أي سلم بل سطحا ترابيا قريبا من الفتحة، وضعت قدماي داخل الفتحة والقيت بجسدي في الفتحة فسقطت جالسا على السطح الترابي. عندما نظرت حولي وجدت ابوابا خشبية جانبية بعدد المثلثات الخمس المرسومة على الغطاء الحديدي، أحداها مفتوح والاخرى مغلقة باقفال حديدية كبيرة.
دخلت الباب المفتوح فوجدت نفقا ضيقا، سرت فيه، وبعد السير فيه مسافة غير قصيرة قدرتها بالمسافة بين جامع الملك وقصره، اتسع النفق وأدي بي الى غرفة واسعة بها ارفف مليئة بالكتب القديمة، وفي احد اركانها نطع بجانبه طاولة صغيرة تتسع لكتاب متوسط الحجم، عليها كتاب مفتوح على الصفحة الأولى منه، مكتوب فيها: "كتاب رفع الستار عمّا جاء في كتاب عمر المختار، لجامعه محمد الأخضر العيساوي الطرابلسي، العالم بالأزهر الشريف، 1355هـ ـ 1936م". وهو رد على كتاب "عمر المختار" الذي ألفه الشيخ الطاهر الزاوي ونشره بإسم مستعار هو "أحمد محمود" سنة 1934م.
أخذت كتاب "رفع الستار" وبدأت في قراءته بسرعة. أقرأ سطورا وأهمل سطورا، وأقرأ صفحات كاملة وأهمل صفحات كاملة أخرى، لأنني أريد ان اصل الى خلاصته، فالوقت قصير وليس لدي منه الكثير، وأمامي مكتبة مليئة بالأرفف المملوءة بالكتب القديمة التي أتلهف لمعرفة ما تحمله من درر وأخبار ونفائس وأسرار.
"بسم الله الرحمن الرحيم. كلمة للأستاذ الفاضل العالم العلامة الشيخ سيدي عبدالقادر بن الامين الزنتاني الطرابلسي. قال حفظه الله... اطلعت على الكتاب المسمى "رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار" لجامعه حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ السيد محمد الأخضر العيساوي الطرابلسي العالم بالأزهر الشريف، فوجدته كله حقائق... وأن الجامع له حضر بنفسه بعض الوقائع في ميدان القتال... وما لم يحضره استقاه من من رجال ثقات عدول... ومن أجلّهم صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل "الشيخ محمد حسن عبدالملك المصراتي" الذي كان قاضيا بمصراته زمن رمضان بك السويحلي."
"بسم الله الرحمن الرحيم. مقدمة المؤلف... الحامل لي على جمع ما في هذا الكتاب من الكلمات هو ابطال بعض ما جاء في كتاب "عمر المختار" لمؤلفه "أحمد محمود" من الاختلاقات التي لا يصدقه فيها الا من كان على شاكلته من الافراد والجماعات، ممن في قلبه مرض أو له في ذلك غرض... فتناول فيه المؤلف المذكور السادة السنوسيين بمنكر من القول وزور تكاد السموات تنفطر منه وتنشق له الارض وتخر له الجبال."
"بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين... انك لتلمح ايها القاري من اول وهلة في هذا الكتاب الذي تصدى فيه صاحبه لبيان الحقائق في زعمه امرين جليلين، الأول: انه اغتنم الفرصة فاستغل اسم "عمر المختار" لترويج كتابه، الثاني: انه تحامل على ذلكم الطود الشامخ الذي لا تزعزعه الحوادث الا وهم السنوسيون والصق بهم تهم باطلة. وتبرقعه بهذا الاسم المستعار "احمد محمود"... دليل واضح على ان بعض ما جاء في كتابه ليس له نصيب من الصحة والا فما الداعي لتستره باسم غيره لو كان صحيحا."
"وحيث اني من اهل تلك الجهة ومطلع على مجريات الامور... وحضرت بعض الوقائع في برقة والجبل الاخضر ورايتها راي العين لا يشككني فيها مشكك مهما كان حاله، وما لم أره فاني ارويه عن ثقات عدول متفق على عدالتهم شاهدوها بانفسهم وأغلبهم حي يرزق... ويؤيدني في ذلك زعماء البلاد واعيانها الذين حضروا الحرب الطرابلسية من اولها الى آخرها... واليك ايها القاريء اسماءهم: الشيخ عبدالسلام ابوعبدالقادر الكزة عمدة قبيلة سليمان العواقير القاطنة ببرقة الحمراء وهي ثلث القبائل التي تسكن برقة الحمراء، والشيخ عبدالحميد العبار عمدة قبيلة ـ العواقير ـ عائلة العبار وهي من اكبر قبائل برقة الحمراء، والشيخ صالح الاطيوش عمدة قبيلة المغاربة عموما القاطنة ببرقة البيضاء، والشيخ عبدالنبي مذكور من اعيان قبيلة المغاربة، والشيخ مصباح دوّاس من اعيان قبيلة المغاربة، والشيخ محمود بوهدمة ـ القبايلي ـ من الأعيان، والشيخ الفضيل المهشهش عمدة قبيلة عائلة المهشهش القاطنة ببرقة البيضاء، والشيخ عطية المهشهش من الاعيان، والشيخ محمد بن ابي القاسم جلغاف عمدة قبيلة عائلة جلغاف البراعصة القاطنة بالجبل الاخضر، والشيخ عروق ابن الشيخ مازق ابي بكر حدوث عمدة قبيلة البراعصة عموما القاطنة بالجبل الاخضر، والشيخ عبدالحميد أبو مطاري الزوي عمدة قبيلة المنائع القاطنة بواحة الكفرة، والشيخ منصور ابوقويطين الزوي عمدة قبيلة اهليل القاطنة بواحة الكفرة، والشيخ احمد بن محمد الشريف الزوي من الاعيان، والشيخ عطية اشويب الزوي من الاعيان، والشيخ ابراهيم السنوسي الجلولي الزوي من الاعيان، والحاج عبدالله البشاري المجبري من اعيان جالو، والشيخ ابراهيم فتيتة المكيسري المجبري من الاعيان، والحاج صالح فنتري المجبري من الاعيان، والشيخ محمد غيث الهوني قائمـمقام مدينة اجدابية سابقا، والسيد عبدالله محمد عامر من اعيان مدينة بنغازي، وحسن افندي الغرياني من اعيان مدينة بنغازي."
"... المسالة الاولى ان الاسطول الايطالي لم يهاجم مدينة بنغازي الا يوم الاربعاء 19 شوال 1329هـ لا يوم 4 شوال سنة 1329هـ كما قال المؤلف... فكيف تخفى ـ هذ المعلومة ـ عن من نصب نفسه لبيان الحقائق التاريخية، والحقيقة في المسألة الثانية ان سكان البادية وقتئذ لم يجيئوا الى المدينة لا بخيلهم ولا برجلهم، كما قال المؤلف يل ان الذين دافعوا عنها دفاع الابطال هم اهلها مع الحامية العثمانية القليلة العدد الى ان غلبوا على امرهم، وجاء تلغراف الى الحكومة المحلية من وزارة البحرية التركية يأمر الحامية التركية بالانسحاب الى الداخل ويأمرها كذلك بتشريك السنوسيين معها في الرأي ـ وقد قام وكيل السنوسيين باستنفار مشايخ الزوايا، فجاء هؤلاء بعدد كبير من المجاهدين من قبائلهم الى "الأبيار" ـ حيث انتقلت الحامية التركية بعد انسحابها من بنغازي ـ. واتفق القائد التركي مع السنوسيين وارتحلوا ليقربوا من العدو ونزلوا بـ"الرجمة" ـ قرب بنغازي ـ، حيث التحق بهم الشيخ عمر المختار بأهل زاويته، وانتقل الجميع الى "بنينا" مقتربين أكثر فأكثر من العدو، واخذوا يهاجمون العدو في الليل والنهار وضيقوا عليه الخناق."
"جاء في صحيفة 11 ما نصّه: (وقد استمر السيد عمر المختار في جهاده الى ان عقدت "معاهدة الزويتينة" بين الانجليز من جهة وبين السيد ادريس من الجهة الأخرى ووضعت الحرب أوزارها في برقة فرجع السيد عمر المختار إلى بيته واشتغل بشئونه الخاصة.) والحقيقة التى لا مراء فيها ولا غبار عليها أنّه لم توجد معاهدة تسمى بهذا الاسم اصلا بل حصلت مفاوضات ولم تنجح، وكان السيد عمر المختار في اثناء هذه المفاوضات يقود المجاهدين بـ"عكرمة" في ثغرين، السلوم ـ ضد الانجليزـ وطبرق ـ ضد الطليان ـ، ولم يرجع الى بيته ويشتغل بشئونه الخاصة منذ وطئت قدم الايطاليين برقة، بل كان ديدنه رحمه الله في زمن السلم تولي المناصب العالية المختلفة والمجاهدة في مصالح البلاد، وفي زمن الحرب القيادة العامة والخاصة، الى ان لاقى مولاه باحدى الحسنيين".
"كيف وقعت "معاهدة الزويتينة"... في اجتماع عموم مشائخ قبائل برقة والجبل الاخضر ـ مع السيد ادريس السنوسي في اجدابيا حيث اقام حكومته ـ، قدموا للسيد ادريس مضابط تتضمن شكواهم من الحالة التي آل أمرهم اليها بسبب المجاعة والحروب من الشرق والغرب، خصوصا بعد الحرب التي اثارها الاتراك مع الانجليز وورطوا فيها السيد احمد الشريف السنوسي وذبحوا بسببها اهل البلاد ذبح الشياه، حيث اوجدوهم بين امرين: وهما الجدب والعدو شرقا وغربا مبينين له ان النتيجة اذا استمرت هذه الحالة اما التسليم للطليان بدون قيد او شرط واما الفناء العاجل. وفعلا كان قد سلم كثير من الناس سلاحه للطليان في مقابل شيء قليل من الارز لسد الرمق، وقد كانت اشلاء الموتى بالجوع في شوارع اجدابية لا تحصى حتى ان امراة أكلت ابنتها، وكثير من الناس اكلوا لحوم الادميين الموتى، فاضطر السيد ادريس ازاء هذه الاحوال التي لا تطاق ان يرتكب اخف الضررين، وان ينزل على ارادة اهل الوطن حينما الحوا عليه في الصلح مع الانجليز في اقرب وقت ليتفرغوا لحرب الايطاليين... وبلغ الانكليز رسميا السيد ادريس ان لا يدخلوا معه في مفاوضة بشان الصلح الا اذا فتح باب المفاوضة ايضا مع الايطاليين، فراجع في ذلك اهل الوطن فوافقوا لضرورة الحالة التي لا تطاق، ومكثوا ـ مندوبوا الانكليز والايطاليين ـ في المفاوضة مع السيد ادريس ما يقرب من ثلاثة اشهر... ولم تتم تلك المفاوضة بل ارجئت الى وقت آخر يعين فيما بعد. وفعلا تعين بعد شهرين من تاريخ الانفراط مكان المفاوضة "عكرمة" من طرف السيد ادريس و"طبرق" من طرف الانجليز والايطاليين، وفعلا تمت المفاوضة من جديد في ابريل سنة 1917م وسميت "معاهدة طبرق" وهي اول معاهدة تم الاتفاق بها."
"... جاء في صحيفة 12 ما نصّه: (وكان قد وصل للسيد ادريس بواسطة غواصة نحو سبعين ألف جنيه تركي من الحكومة العثمانية واسلحة واشياء اخرى لتوصيلها إلى نوري باشا، فأخذها لنفسه). واليك ايها القاريء البيان الشافي الحقيقي... قد حضرت الغواصة بمكان يقرب من اجدابية يسمى "البريقة" وأنزلت به 128 بندقية المانية ومعها نحو مائة صندوق من الذخيرة فقط، وسافرت ولم تسلم شيئا من النقود ولا غيرها ولم يأمر من فيها بتسليم شيئ لنوري باشا ولا لغيره، سوى جواب من الضابط الالماني الذي بها للسيد ادريس يذكر له فيه انه مسافر الى بلده وسيأتي عن قريب. وبعد ثمانية اشهر رجع وانزل ثلاثين الف ليرة عثماني... فاستلم السيد ادريس المبلغ المذكور ولم يسلمه لنوري باشا بل شكل له مجلسا فوق العادة لتوزيع هذه النقود على الجند والضباط الذين يطالبون الحكومة بمعاشاتهم التي تاخرت مدة طويلة. ولما عزم نوري باشا على السفر لجهة مصراته قدمت الغواصة مرة اخرى وقدم بها حاجي كامل التركي ومعه اربعون الف ليرة تركي ورق استلمها منه نوري باشا باكملها واعطى منها للسيد ادريس خمسة آلاف ليرة تركي ورق جاءت باسم مرتبات له من وزارة الحربية التركية. والباقي تصرف فيه نوري باشا بما رآه. وبعد ذلك توجه نوري باشا الى مصراته. ولم تأت غواصة الى برقة بعد ذلك سوى الغواصة التي قدم بها يوسف شتوان وأقلت السيد احمد الشريف السنوسي من العقيلة الى الاستانة."
"جاء في صحيفة 15 ما نضّه: (هذا الدور من أهم أدوار السيد عمر المختار في الحرب الطرابلسية وأشقها، وقد تقدمته أحداث... وأهمها... ان رمضان بك السويحلي عقب المعركة التي انتصر فيها المسلمون المسماة "القرضابية" طلب الإذن من السيد صفي الدين السنوسي بالرجوع إلى مصراته ليخلص أهلها من العدو وقد منعه السيد صفي الدين وقصده من هذا المنع أن يأخذ ما بيده من الغنائم). واليك ايها القاريء المنصف الحقيقة... وهي مستقاة من ثقة عدل لا يختلف في ثقته وعدالته اثنان وهو فضيلة الاستاذ الشيخ محمد بن حسن عبدالملك المصراتي الذي كان قاضيا بمصراته زمن رمضان بك السويحلي حين مجيء السيد صفي الدين اليها... قال فضيلته: كتب بعض القبائل الطرابلسية وهم اولاد بوسيف الى السيد احمد الشريف يطلبون منه ارسال جيش من السنوسيين الى الجهة الغربية ليخلص البلاد من العدو ـ الايطالي ـ ويولي عليهم من يراه أهلا لذلك، وفعلا جهز لهم جيشا برئاسة أخيه صفي الدين السنوسي وله وكيل هو السيد احمد التواتي، وهو الذي ارتحل مع الجيش فعلا، ونزل به بمكان اسمه "النوفلية"، وضيق الخناق على النقطة الايطالية القريبة منه حتى انسحبت... وانتقل بعد ذلك الى "قصر أبي هادي" وهو يبعد عن سرت باربع ساعات، وانضم اليه عدد كبير من اهل تلك الجهة، وكذلك انضم اليه عدد غير قليل من شبان "مصراته"... وشن ـ هذا الجيش ـ غارة على مراكز الايطاليين ومن والاهم ـ من الليبيين ـ، وصادف بعض المغيرين ابلا لرمضان السويحلي فاتوا بها الى المعسكر السنوسي، وكان وقتئذ رمضان السويحلي ببلده مصراته موظفا من الحكومة الايطالية... فطلب رمضان الاذن من الحكومة الايطالية ليقتفي اثر ابله لعله يتمكن من ارجاعها ويأتي للايطاليين باخبار السنوسيين فاذنت له. وفعلا جمع من ذوي قرابته عشرين نفرا منهم اخوه احمد بك السويحلي وذهبوا جميعا الى معسكر السنوسيين على ظهور خيولهم ولما وصلوا المعسكر قابلهم السيد احمد التواتي وكيل المعسكر مقابلة حسنة واكرمهم غاية الاكرام ورد لهم ابلهم."
"وصادف مجيء رمضان ومن معه لمعسكر السنوسيين هجوم الايطاليين على السنوسيين من قصر "سرت" حيث كان به معسكر كبير للطليان وهو قريب من معسكر السنوسيين، وحصلت موقعة كبيرة بين الطرفين تسمى موقعة "أبي هادي" اشترك فيها رمضان بك ومن معه ضد ايطاليا وجُرح فيها أخوه احمد بك، وانهزم فيها الايطاليون شر هزيمة، وقد استشهد فيها انفار من من مصراته من غير رفقاء رمضان كانوا قد التحقوا بالمعسكر السنوسي قبل مجيء رمضان، ثم رجع رمضان بابله وكذلك رجع من قدموا معه الا أخاه أحمد فانه بقي جريحا بالمعسكر السنوسي وكان غرضه ان يكتم اشتراكه ومن معه في المعركة المذكورة، ولكنه لم يتمكن من ذلك فاخبر الايطاليين بما حصل واعتذر بانه لو لم يشترك هو ومن معه في المعركة لقتلهم السنوسيون جميعا فقبل الايطاليون عذره."
"بعد ذلك بثلاثة أشهر أرسلت الحكومة الايطالية من روما الى واليها بطرابلس الغرب تستفهم منه هل يمكن تجنيد 80 ألف من الطرابلسيين الذين لهم خبرة بالحرب فاجابها على الفور بانه يمكن بشرط اجلاء السنوسيين وطردهم من جهة طرابلس الغربية الى ان يخرجوا من حدودها لأننا كلما أردنا أن نأخذ أحدا للعسكرية التحق بهم. فقررت بعد ذلك تجهيز جيش كبير لاقصاء السنوسيين عن حدود طرابلس، وتقرر ان يكون ذلك الجيش من الوطنيين من "مصراته" و"ترهونه" و"زليتن" و"مسلاته" و"ورفله"، ويكون قائده العام الكولونيل "مياني"، وجعلت على جيش مصراته رمضان بك السويحلي رئيسا، وعلى جيش "ترهونه" الساعدي ابن سلطان، وعلى جيش "ورفله" عبدالنبي بالخير، وعلى جيش "زليتن" محمود عزيز. وبعد هذا الترتيب ارسلت حكومة طرابلس الى رمضان بك السويحلي وعرضت عليه المشروع المتقدم، فقبله بدون تردد ورجع الى مصراته ومعه القائد العام الكولونيل مياني... ـ وقبيل سفر رمضان مع الجيش بقليل ـ قال القاضي الشيخ محمد عبدالملك المصراتي اجتمعت برمضان بك منفردا عن الناس وكان لا يكتمني سرا ومن جملة كلامه لي قال: أني اتفقت مع السيد احمد التواتي ـ وكيل السيد صفي الدين السنوسي ـ على ان اساعده بقدر ما يمكنني، وقد جاءت هذه المسألة ـ أي استعداده للوقوف مع الطليان ضد السنوسيين ـ عرضا وفجأة، والخطة التي رسمتها لنا الحكومة الايطالية هي ان نأمر السنوسيين بالبعد عن حدودنا واذا لم يرضوا نعمل معهم هدنة عدة أشهر ونتفق معهم على ان يكون قصر سرت سوقا للجميع، بحيث نختلط معهم في سوق واحد وبلد واحد، والغرض هو انحلال جيش السنوسيين بحيث يصعب عليهم جمعه مرة أخرى. فقلت له: واذا امتنع السنوسيون من الامرين فماذا تفعل؟ فقال لي: انا افضل ان اكون في جانب السنوسيين على ايطاليا... وفي الغد سافر رمضان بك تصحبه جميع القوات الوطنية ـ التي كونتها ايطاليا للحرب ضد السنوسيين ـ ما عدا عبد النبي بالخير قائد جيش ورفله وجيشه.
"وعقب وصول رمضان ـ الى النقطة الايطالية ـ انتخب من جيشه ثلاثين فارسا وارسلهم بخطابات لوكيل المعسكر السنوسي وهو السيد احمد التواتي، منهم عمر ابودبوس واخونا حسين بن الحاج حسن ومحمد حميدة الادغم، ومضمون تلك الخطابات ان الحكومة الايطالية تطلب منكم البعد عن هذا المكان الى سوكنه وان ابيتم فنتفق معكم على هدنة عدة شهور بحيث يكون سوق للجميع هو قصر سرت، فرفض السيد احمد التواتي الأمرين وقال له نحن نريد التقدم لا التأخر ولا يمكن أن نتأخر من مكاننا هذا شبرا واحدا الا ونحن مغلوبون على أمرنا... ووقعت المعركة بين السنوسيين والايطاليين ـ ومن والاهم من الليبيين ـ، ولما حمي الوطيس تقدم احمد بك سيف النصر بمن معه وضيق كثيرا على الجيش الايطالي من الجهة الغربية... ولم يلتفت رمضان بك ومن معه الى جهة من الجهات وحصلت لهم دهشة وحيرة ففي هذه الحالة امر رمضان السويحلي من معه ان يضربوا الجيش السنوسي بدعوى انهم يدافعون عن انفسهم وحيواناتهم."
"ولما اشتدت الحالة وأتى الله بالنصر وزلزل الجيش الايطالي زلزالا شديدا، وحينئذ التفت رمضان السويحلي بمن معه الى الجيش الايطالي وضربه من وراءه مع من ضرب وانهزم الجيش الايطالي شر هزيمة... وقد استشهد في المعركة من جماعة احمد بك سيف النصر ما يقرب من المائة ومن جماعة رمضان السويحلي أربعة انفار لا غير حيث انهم لم يشتركوا في المعركة الا بعد انهزام الطليان، وكانت هذه الموقعة يوم 15 جمادي الثانية سنة 1333هـ. الجمّالون الذين اخذت ايطاليا احمالهم وحملتها بالذخائر والارزاق والمهمات جاءوا بجمالهم واناخوها في مكان منخفض بحيث لا تكون عرضة لرصاص المتحاربين وهم لا سلاح عندهم، والتجئوا بانفسهم الى قصر سرت حيث ظنوا النجاة ومعهم بعض رؤساء الجيش العربي منهم الحاج ابوبكر النعاس والحاج محمد القاضي المسلاتي. ولما جاءهم الايطاليون منهزمين انتقموا منهم شر انتقام... وفعلا قتلهم الطليان عن بكرة ابيهم رميا بالرصاص... وهذا جزاء من يركن الى الظالمين."
"وبعد يومين او ثلاثة من المعركة المذكورة سلم السيد صفي الدين السنوسي لرمضان السويحلي علما سنوسيا ومدفعا وسبعين حملا من الذخيرة وزوده باربعة ضباط كانوا بالمعسكر السنوسي وأمّره على بلده "مصراته" وأوصى من كان معه بطاعته، وأمره بالتوجه اليها لعله يخلصها من العدو، فتقبّل ذلك منه شاكرا وودعه وسافر بجيشه الى مصراته... وشرع في محاربة العدو وضيق عليه الخناق الى ان اضطره في النهاية للخروج من مصراته."
بعد سفر رمضان الى مصراته بقي السيد صفي الدين بـ"سرت" يدير شئونها وينظم امرها ويوفق بين اهاليها ثم بعد شهر تقريبا غادرها قاصدا "ورفله" ومعه بعض الجند وبعض الاخوان ولما وصل اليها وجد الحامية الايطالية تدافع عن نفسها ولم تسلم بعد فلما سمعت بقدومه طلبت منه شروطا ان قبلها سلمت له دون غيره لما تعتقده فيه من الوفاء بالعهد وفعلا قبها واكرم افرادها اكراما يليق بمفامه ووفى لهم بالعهد الذي قطعه على نفسه."
"لما كان السيد صفي الدين السنوسي بورفلة، ارسل رمضان بك السويحلي الى وكيل السيد صفي الدين بسرت يطلب اليه ان يرسل له عبدالهادي غباش الأملي القذافي... الذي اراد رمضان بك الانتقام منه حيث كان ممالئا لاعدائه ـ آل المنتصر ـ، فطلب عبدالهادي المذكور من الوكيل ان يتم ذلك عن طريق السيد صفي الدين لعله يكون شفيعا له عنده ـ وقد كان ـ فحضر عبدالهادي عند السيد صفي الدين وقص عليه قصته فاطلق سبيله... ولما بلغ ذلك رمضان غضب غضبا شديدا وشتم السنوسيين بألفاظ قبيحة لا تصدر من عاقل."
"قال فضيلة القاضي محمد عبدالملك المصراتي: قال لي السيد صفي الدين ـ بعد الجواب والسؤال في هذا اليوم ـ: طلبت من رمضان بك شيئا بسيطا فامتنع من تنفيذه وهذا الشيء هو ان فيه بعض المجاهدين يعدون على الاصابع واهلهم من الجبل الاخضر طلبوا مني رواحل وزادا وكسوة بقدر ما يصلون بها الى اهليهم في الجبل الأخضر مستورين، فارسلتهم الى رمضان بك ولكنه أبى أن يجبر بخاطرهم مع ان لهم الحق في هذه الغنائم حيث انهم جاهدوا معنا ومنهم من جرح في هذه الحرب، ورد عليّ رمضان بك قائلا: نحن فتحنا بلدنا بأنفسنا ولسنا تحت ولايتكم وامارتكم ولا نعترف بكم."
"دخل علينا الضابط حسن بن ابي بكر القاضي، وهذا الضابط هو راس الفتنة عامله الله بما يستحف وقال: يا حضرة القاضي انا متاسف جدا حيث ان السيد صفي الدين أمرنا بالقبض على رمضان بك في هذه الليلة، وهذا يؤدي الى فتنة كيرة... فساءني ذلك الامر وصرت ادافع عن رمضان بك ظنا مني ان الحالة لا تصل الى هذا الحد، فدخل علينا الحاج مصطفى امنينه محبذا لفكرة السيد صفي الدين بالقبض على رمضان بك قائلا ان عسكره مع عسكر السيد صفي الدين وان لم يقبض عليه في هذه الليلة سيتسع الخرق على الراقع، وكان الحاج مصطفى امنينه مصيبا في فكرته ولكني لم اقتنع بها آنذاك... وعندما علم السيد صفي الدين بعدم موافقتي على القبض على رمضان بك عدل عن مسألة القبض وأمر بأن يُبلغ رمضان بك بأنه مهجور ـ على عادة السنوسيين اذا غضبوا على احد من الناس ـ وتظاهر رمضان بانه ممتثل لأمر صفي الدين، ولكنه ارسل ليلا الى جميع المسلحين من مصراته على اختلاف قبائلهم واخبرهم بانه يريد أن يفرق عليهم الغنائم ومن يتخلف عن الحضور في اول النهار سقط حقه، فلم يبق مسلح الا وقد حضر في اول هذا اليوم."
"وبعد ان اجتمع المسلحون امام قصر الحكومة ـ يقول فضيلة القاضي محمد عبدالملك المصراتي الذي كان بدار المحكمة الشرعية واقفا بشباك يطل على هذا المجتمع ـ قام رمضان بك خطيبا... فكان مما قاله في خطبته من المنفرات والافتراء والكذب ان السيد صفي الدين فرض على كل نفر منكم "بينتو" ذهبا ويريد ان يبيع نساءكم لأنه يرى أنه هو الذي خلصكم من العدو وان نساءكم رق له تباع وتشترى... وقال لهم ما انا الا واحد منكم فان رضيتم بما سمعتموه فانا واحد منكم وان ابيتم دافعت عنكم الى آخر قطرة من دمي، فاجابوه بلسان واحد اننا لا نرضى بذلك ولو متنا عن آخرنا... وبعد أن تفرق ذلك الجمع ارسل لي السيد صفي الدين ومعي بعض الاعيان فامرنا ان نذهب الى رمضان بك وننصحه لعله يرجع عن غيه ويفضل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة قال فذهبت اليه ومعي باشكاتب المحكمة ورجل اخر من مشايخ الفرجان اسمه الحاج احمد الواسع وكلمناه ونصحناه وبينا له سوء عاقبة الخلاف ونقض البيعة... فلم نستفد منه غير خشونة الالفاظ والتشدد".
"ولما تمادى رمضان بك في غيه واصر على عناده ـ قال القاضي ـ ارتحل السيد صفي الدين الى "ورفله" حيث يقيم وكيله السيد احمد التواتي مع جيشه، ولم يلبث ان جاء الى ترهونه وارسل الى اعيان تلك الجهة وعلمائها لتتم البيعة لاخيه السيد احمد الشريف السنوسي، فجاءته الاعيان والعلماء من كل ناحية وبايعوه فعلا وكتبت تلك البيعة وسلمت له، وبعد ذلك اتفقوا جميعا وكانوا ثلاثمائة فارس على ان يذهبوا كلهم ومعهم السيد صفي الدين لزيارة الولي الصالح الشيخ سيدي عبدالسلام الاسمر وللتكلم مع رمضان بك فيما حصل بينه وبين السيد صفي الدين... فوقف لهم رمضان بك حجر عثرة في طريق مشروعهم الخيري ـ المصالحة ـ ومنعهم حتى من زيارة سيدي عبدالسلام الاسمر فضلا عن دخولهم للبلد حيث اعترضهم في "وادي عين كعام" ولم يسمح لهم بالدخول اليها بتاتا."
"لما رأى السيد صفي الدين ان كل يوم تخذله قبيلة ـ نتيجة لتحريض رمضان بك السويحلي وعبدالنبي بالخير ـ، ادرك خطورة الحالة وقرر الانتقال بمن معه الى جهة برقة... واتفق مع وكيله احمد التواتي على موعد الرحيل... ورحل صفي الدين في الموعد المحدد، واحتل عبدالنبي بالخير القصر العثماني الذي كان السيد صفي الدين مقيما فيه، وبعد ذلك عاد السيد احمد التواتي ـ وكيل صفي الدين ـ الى القصر ظنا منه ان السيد صفي الدين لم يرتحل بعد، فقبض عليه جماعة عبدالنبي بالخير، وسلموه لعبدالنبي، وسلمه هو لرمضان السويحلي الذي ارسله مكبلا بالحديد الى السجن في مصراته."
"قال فضيلة القاضي محمد عبدالملك المصراتي: لما سمع رمضان بك بارتحال السيد صفي الدين من ورفله اقتفى أثره بجيش مؤلف من اهل مصراته وزليتن وورفله وكلما نزل محلا هاجمه، ومن معه يدافعون عنه اشد المدافعة، الى ان وصلوا في طريقهم الى برقة محلا يقال له "قرارة القطف" يبعد عن "ورفلة" بمرحلتين تقريبا وعرج السيد صفي الدين على حي العمامرة فاستنجد باهله ولبوا طلبه فدافعوا عنه دفاع الكرام... ولما وصل السيد صفي الدين الى زاوية "النوفلية" ارسل رسولا الى رمضان وهو بسرت وذلك الرسول هو الشيخ عبدالرحمن بن بشير البوسيفي الازهري يرجوه اخلاء سبيل وكيله السيد أحمد التواتي ويعاهده على ان لا يرجع لمحاربته مرة أخرى، فرفض رمضان."
"بعد قدوم السيد صفي الدين السنوسي من الجهة الغربية، رأى السيد ادريس السنوسي ان يتدارك مسألة الخلاف بين رمضان السويحلي وبين صفي الدين السنوسي، وان لا يقابل السيئة بمثلها بل يتبعها بحسنة، فكتب عدة خطابات لرمضان السويحلي مع خالد القيصة الجازوي ـ صحبة الحاج على المنقوش ـ وبيّن له مضار الشقاق بين القطرين الشقيقين ـ طرابلس وبرقة ـ... وان القطرين الشقيقين لا غنى لاحدهما عن الآخر، وما وقع بينكم وبين السيد صفي الدين من سوء تفاهم كأن لم يكن، وعليه فالرجاء ان لا تقطعوا الارزاق والبضائع عن اخوانكم المجاهدين المحتاجين... رفض رمضان بك الصلح، بل أنه أمر بشنق من عنده من السنوسيين وهم السيد احمد التواتي ومفتاح الزوي وواراهم في التراب من غير صلاة وكفن، كما امر رمضان بشنق السيد عبدالله الاشهب الذي سلمته قبيلة الفواتير للحاج عبدالله المنقوش والحاج عمر ابعيو بعد أن وعدوهم بالامان وبانه لن يمسه أحد بسوء."
"ولم يكتفي رمضان بكل ذلك بل اصر على مواصلة الانتقام وفعلا أمر بقطع المواصلات بين برقة وطرابلس، واستمرت هذه الحالة السيئة إلى أن قـُـتل رمضان في "ورفلة" وهو غاز بخيله ورجله، صديقه عبدالنبي بالخير الذي وقف معه ضد السنوسيين ظلما وعدوانا، وكفى الله المؤمنين القتال، ومن اعان ظالما سلـّطه الله عليه."
عندما وصلت في قراءتي لـ"كشف الستار" إلى هذا الحد سمعت صوت رجل يأتي من وراء أرفف كتب المكتبة: من هناك؟ من هناك؟ ولم ينتظر الرجل لأجيبه بل فاجأني بدخوله المكتبة واتجه الىّ، وأخذ مني الكتاب ووضعه على النطع، فيم ظل ممسكا بيدي قائلا: كيف دخلت قصر الملك؟ ماذا تفعل هنا؟ وقد اسكتتني المفاجاة فلم استطع الكلام.
ظل الرجل ممسكا بيدي ونحن خارجين من المكتبة، من باب يؤدي الى ممر في قصر الملك به غرف كثيرة، والتفت ورائي فرأيت مكتوبا على باب المكتبة التي خرجنا منها: "المكتبة ـ الجامع".
الى اللقاء في الحلقة الخامسة من "حكايات جامع الملك اجدابيا".
ابراهيم اغنيوه
* راجع الحلقات السابقة بـ (أرشيف الكاتب)